حلم الحج [4/6]... طريق السوريين إلى مكة يبدأ من "فرع فلسطين"

01 سبتمبر 2017
الحج يخضع للمراجعة الأمنية في سورية (فرانس برس)
+ الخط -
سببان مختلفان، حرما الستيني الدمشقي أبو عمر من أداء فريضة الحج مرّتين، الأول في عام 2015، إذ لم يتمكن من تأمين كلفة الحج البالغة مليون ليرة سورية (تعادل 2000 دولار أميركي)، في الوقت الذي لم تزد فيه الأسعار في عام 2010 قبل بدء النزاع في سورية عن 115 ألف ليرة والتي كانت تعادل وقتها 2200 دولار، بينما واصلت الكلفة ارتفاعها وبلغت في عام 2017 مليونا ومئتي ألف ليرة (2400 دولار)، وفقا للبيانات المعلنة على الموقع الرسمي للجنة الحج العليا التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية.

في المرة الثانية وبعد أن تمكن أبو عمر من تأمين كلفة الحج في عام 2017، فوجئ بإصدار النظام تعميمًا في يوليو/ تموز الماضي، بعد أن سجل بياناته في مكتب لجنة الحج العليا في بيروت، ينص على "عدم السماح للمواطنين السوريين الممهورة جوازات سفرهم بختم الدخول إلى السعودية بمغادرة القُطر إلّا بعد مراجعة شعبة الاستخبارات العسكرية فرع "235" (التي يطلق عليها فرع فلسطين)"، وبحسب التعميم الممهور بتوقيع مدير إدارة الهجرة والجوازات اللواء ناجي تركي النمير، فإن "معلومات وردت إلى الإدارة تفيد بقيام عدد من مكاتب الحج والعمرة في لبنان بتأمين تأشيرات دخول لعددٍ من السوريين إلى السعودية عن طريق سفاراتها في بيروت لتأدية الحج تحت إشراف الائتلاف السوري المعارض".

وبمجّرد وصول أنباء التعميم إلى أبو عمر تراجع للمرّة الثانية عن الحج، قائلا لـ"العربي الجديد": "لا أريد الدخول إلى أفرع الأمن في آخر أيام حياتي"، ما جعله واحدا من 850 حاجّا دمشقيا انسحبوا، وفقا لما كشفه سامر بيرقدار، مدير اللجنة العليا للحج، في إفادة خاصة لـ"العربي الجديد".

وأجلت اللجنة إدخال جوازات سفر الحجّاج السوريين المقيمين في مناطق النظام إلى السفارة السعودية في بيروت لدمغ التأشيرة عليها، حتّى تاريخ 2 من شهر أغسطس/ آب الماضي، بسبب الصعوبات الإدارية في مغادرة حجاج دمشق للحدود السورية باتجاه لبنان حفاظا على سلامة الحجاج الشخصية، فيما تمت إعادة المبالغ المالية لمن سجّلوا وقرّروا التراجع بسبب قرار النظام، كما يقول بيرقدار.


السعودية تخفض من عدد حجاج سورية

بلغت حصة سورية من تأشيرات الحج السعودية 15 ألف حاج وحاجة في عام 2017، تم اختيارهم من بين 29790 متقدما إلى اللجنة، بناء على شرط العمر، والمحدد في لبنان بـ60 عاما وفي الشمال السوري والجنوب التركي بـ56 سنة والأردن بـ46 سنة ومصر بـ48 سنة، بالإضافة إلى الالتزام بشروط التسجيل المالية والإدارية، وفقا لما قاله مدير لجنة الحج العليا التابعة للائتلاف.

وخفّضت المملكة العربية السعودية عدد الحجّاج السوريين بنسبة 33%، إذ كان عدد الحجّاج قبل اندلاع الأزمة السورية بعامٍ واحدٍ فقط، 22.5 ألف حاج في عام 2010، وفق ما جاء على موقع وكالة الأنباء الرسمية "سانا"، نقلا عن بيان لوزارة داخلية النظام صدر في نوفمبر/ تشرين الثاني لعام 2010، وهو ما لا يتفق مع الحصة المقررة لكل دولة من الحجاج والمعروفة بمعيار حاج واحد لكل ألف شخص، أو 1000 حاج من كل مليون نسمة لكل دولة، إذ تكشف البيانات المُعلنة على الموقع الإلكتروني للمكتب المركزي السوري للتعبئة والإحصاء، أن عدد السكان بلغ 23 مليونا و356 ألف نسمة في العام 2017، وهو ما يعني أن عدد الحجيج السوريين ينبغي أن يكون 23 ألفاً، غير أن مدير لجنة الحج سامر بيرقدار قال لـ"العربي الجديد": "عندما سحبت السعودية ملف الحج من النظام، سألت الائتلاف السوري عن العدد المُتوقّع للحجّاج السوريين، وكانت الإجابة أنّه لن يزيد عن 15 ألفاً، في عام 2012، حين كان الثورة في أوجها".

لاحقاً صدر قرار من وزارة الحج السعودية بأن يتم تخفيض عدد الحجّاج من جميع أنحاء العالم بنسبة 20%، من أجل أعمال التوسيع في الحرم، كما يشير بيرقدار، وبعد عودة الأرقام إلى نصابها، تم استكمال عدد السوريين الحُجّاج إلى 15 ألفاً، وفقاً لمدير اللجنة، الذي يتوقع أن يعود الرقم إلى طبيعته ويصل حتى 22.5 ألفاً في العام المقبل.

اتهامات بتسييس الحج

في العام 2012، سحبت السلطات السعودية مسؤولية تنظيم حج السوريين من النظام، ووضعتها بين يدي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومنذ ذلك الوقت يُصدر النظام في كلّ عام بياناً عبر وزارة الأوقاف يوجّه اتهامات إلى السعودية بتسييس الحج، وقالت الوزارة في بيانها الصادر في يوليو/ تموز الماضي "إن شرط الاستطاعة إلى الحج غير محقق بسبب تسييس فريضة الحج من قبل السلطات الوهابية السعودية"، مشيرة إلى أنها "خاطبت وزارة الحج السعودية، ومنظمة التعاون الإسلامي عبر وزارة الخارجية السورية بهذا الصدد دون أي رد".

ووصف البيان "ما تقوم به بعض المكاتب السياحية في لبنان مع بعض الأفراد ليس تسهيلا لأداء فريضة الحج وإنما هو استغلال سياسي ومادي تقوم به السلطات السعودية لركن عظيم من أركان الإسلام عبر استثماره من قبل الجهات المعادية للوطن تحت مسمى (لجنة الحج العليا السورية) التابعة لأعداء الوطن للتمويه على المواطنين".


بالتناغم مع البيان السابق، دعا الشيخ مأمون رحمة، خطيب المسجد الأموي الكبير بدمشق، في خطبة الجمعة 25 أغسطس/ آب 2017 من على منبر الجامع ذي الصبغة الرسمية في سورية: "من فاته أن يحج في هذا العام والأعوام التي سبقته ولم يتمكن من الوقوف على جبل الرحمة في عرفات بسبب منع النظام السعودي الغاشم له، فليقف على جبل الانتصار والعزة والكبرياء... جبل قاسيون".

بالمقابل يتهم مدير لجنة الحج العليا سامر بيرقدار نظام بشار الأسد بـ"التضييق على الحجّاج في مناطق سيطرته"، مستنداً إلى قرار النظام بإلزام الحجّاج بمراجعة فرع فلسطين. وقال بيرقدار لـ"العربي الجديد": "الحج عبادة لا يجوز توظيفها سياسياً لأيّ طرف. عملت لجنة الحج العليا وخلال أربع سنوات على خدمة جميع الحجاج السوريين مهما كانت توجهاتُهم وأفكارهم، لأنها اعتبرت أنّ هدفها خدمة كل السوريين بلا قيد أو شرط، وملف الحج كان ملفاً دينياً إنسانياً أخلاقياً بامتياز، ولم يتم التفريق ين الحجاج السوريين بناءً على مكان تواجدهم، سواء أكان في مناطق النظام أو في مناطق المعارضة أو في بلدان اللجوء، أو بناء على المواقف السياسية"، وأضاف أنه "لو كان ملف الحج متروكا للنظام، لما سمح لسكان مناطق المعارضة بالذهاب إلى الحج"، مضيفاً "هذا هو حال النظام الذي يحتكر كل شيء، بينما تحرص المعارضة على الوقوف على مسافة واحدة من كل أهالي سورية".


صعوبات في مناطق النظام أكثر من المعارضة

ارتفعت تكاليف الحج هذا العام بنسبة 15% مقارنة بالسنة الماضية، إذ بلغت قيمة الحج في هذا الموسم 2325 دولارا للسفر عبر لبنان، بعد أن كانت 2050 دولارا في العام الماضي، بينما أصبحت 2350 دولارا للسفر من الشمال السوري وجنوب تركيا، بعد أن كانت 2125 دولاراً، وبلغت 2500 دولار من مصر بعد أن كانت 2125 دولاراً، و2435 دولارا من اسطنبول بعد أن كانت 2200 دولار، و2300 دولار من الأردن بعد أن كانت 2050 دولارا، و2600 دولار للسفر من الإمارات والكويت، بعد أن كانت 2375 دولاراً من الإمارات، و2250 دولارا من الكويت، و3450 دولارا لسفر الحجّاج السوريين من قطر بعد أن كانت الكلفة في العام الماضي 3000 دولار، وهي الأعلى كلفة هذا العام، وفقا لما جاء على موقع اللجنة العليا للحج. وبالرغم من الارتفاع السابق، فإن سامر بيرقدار يرى أنّ كلفة حج السوريين تعد الأرخص من بين الدول العربية، ولكن سوريي الداخل يجدون أنّه مرتفع بسبب انهيار قيمة الليرة في مقابل الدولار داخل سورية، على حد قوله.

"وفي مقابل الصعوبات التي يواجهها الحجّاج في مناطق النظام السوري، فإن الحجاج في مناطق المعارضة كانت أمورهم أكثر يسراً"، وفق ما قاله عمر أعرج، مدير مكتب لجنة الحج العليا في معبر باب الهوى (يفصل ما بين الحدود التركية ومناطق المعارضة في شمال سورية)، والذي لفت إلى افتتاح مكتب آخر في معبر باب السلامة الحدودي (يفصل ما بين تركيا ومناطق قوات درع الفرات).

ويتجمع الحجاج السوريون في كراج معبر باب الهوى، ويدخلون إلى تركيا ليحصلوا على بطاقة مسافر بعدها، كما يقول أعرج، مكملا حديثه "بعد ذلك يتم نقلهم عبر باصات، إمّا إلى المطار مباشرةً إذا كانت رحلتهم في اليوم ذاته، أو إلى فنادق يقيمون فيها لمدّة يوم واحد إذا كانت رحلتهم في اليوم التالي".

ويعاني الحجاج السوريون بمختلف مناطقهم من عدم وجود ناقل وطني للحجاج (شركة خطوط جوية) على الرغم من استمرار تسيير الرحلات منذ عدّة أعوام، إذ تضطر لجنة الحج العليا إلى التعاقد مع أكثر من شركة طيران، ومن الطبيعي أن تولي هذه الشركات مواطنيها أولوية في رحلات الحج، وهو الأمر الذي يحدث إرباكا وإحراجا كبيرا للجنة مع الحجاج، وفقاً لمديرها سامر بيرقدار، الذي أوضح أن "نقل الحجاج يتطلب نحو شهر كامل، نتيجة لتشتت السوريين في أكثر من دولة"، وهو ما يقتضي من اللجنة محاولة التغلب على تلك الصعوبات عبر التأقلم مع القوانين والإجراءات المختلفة لكل بلد على حدة في سبيل خدمة من ينجح من السوريين في تحقيق حلم الحج.