"هذا الجواز وثيقة ذات شأن عظيم يوجِب على صاحبه الاحتياط"، "يرجو وزير الخارجية من جميع المختصين أن يسمحوا لحامل هذا الجواز بالمرور وأن يبذلوا له العين والرعاية عند الاقتضاء".. تلك الكلمات السابقة مكتوبة في آخر صفحات جواز السفر المصري.
لكن الواقع عكس ذلك، إذ تمتد طوابير الانتظار الطويلة أمام السفارات في القاهرة، وهو ما عانى منه الثلاثيني أحمد إبراهيم رغم أن لديه عملا مستقرا ورصيدا بنكيا جيدا مقارنة بمن في مثل عمره، وعلى الرغم من ذلك واجه صعوبات كبيرة في استخراج التأشيرة كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا: "تمكنت بعد معاناة من الحصول على فيزا شنغن (التأشيرة الأوروبية الموحدة) بعد الوقوف أمام أكثر من سفارة، وأخيرا تمكنت من الحصول عليها لمدة عشرة أيام فقط، وذهبت في رحلة سياحية إلى باريس، وبعد فترة حاولت التقدم مرة أخرى عبر سفارة تشيكيا، لحبي للسفر والمغامرة، ولكن للأسف رُفض طلبي، رغم أنني لم أرتكب أية مخالفات، وعدت مباشرة بمجرد انتهاء الفترة الممنوحة لي".
اقــرأ أيضاً
تراجع متواصل
تراجع جواز السفر المصري إلى المركز 95 عالميا على مؤشر هينلي لجوازات السفر الدوري (HVRI)، والصادر في مارس/آذار من العام الجاري، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للنقل الجوي، استنادًا إلى البيانات الرسمية من قاعدة البيانات العالمية الخاصة بهم والتي تعتمد على عدة عناصر من بينها عدد الدول التي يمكن دخولها بلا تأشيرة لحامل الجواز.
لكن الواقع عكس ذلك، إذ تمتد طوابير الانتظار الطويلة أمام السفارات في القاهرة، وهو ما عانى منه الثلاثيني أحمد إبراهيم رغم أن لديه عملا مستقرا ورصيدا بنكيا جيدا مقارنة بمن في مثل عمره، وعلى الرغم من ذلك واجه صعوبات كبيرة في استخراج التأشيرة كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا: "تمكنت بعد معاناة من الحصول على فيزا شنغن (التأشيرة الأوروبية الموحدة) بعد الوقوف أمام أكثر من سفارة، وأخيرا تمكنت من الحصول عليها لمدة عشرة أيام فقط، وذهبت في رحلة سياحية إلى باريس، وبعد فترة حاولت التقدم مرة أخرى عبر سفارة تشيكيا، لحبي للسفر والمغامرة، ولكن للأسف رُفض طلبي، رغم أنني لم أرتكب أية مخالفات، وعدت مباشرة بمجرد انتهاء الفترة الممنوحة لي".
تراجع متواصل
تراجع جواز السفر المصري إلى المركز 95 عالميا على مؤشر هينلي لجوازات السفر الدوري (HVRI)، والصادر في مارس/آذار من العام الجاري، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للنقل الجوي، استنادًا إلى البيانات الرسمية من قاعدة البيانات العالمية الخاصة بهم والتي تعتمد على عدة عناصر من بينها عدد الدول التي يمكن دخولها بلا تأشيرة لحامل الجواز.
قبل ذلك المركز، كان جواز السفر المصري في المركز 92 عالميًا في العام الماضي، وقبلها كان في المركز 88 عالميا، بينما كان في عام 2013 في المركز الـ 79.
التراجع السابق يعكس ما وصل إليه جواز السفر المصري، "إذ إن إجراءات الحصول على تأشيرة دخول لأي دولة عربية كانت أو أجنبية تزداد تعقيداً وصعوبةً يوما بعد يوم، كما تزيد الطلبات المبالغ فيها والمقصود بها جواز السفر المصري"، كما يقول محمد عاطف الذي تخرج في كلية التجارة ولم يجد عملا، وبعد طرق كل الأبواب ليسافر بشكل شرعي إلى إحدى دول الخليج العربي فشل في الأمر، لذلك لجأ إلى شراء التأشيرة من سمسار مصري، إذ يمنح الوسيط الشباب تأشيرة دخول سياحية أو تأشيرة زيارة، مصحوبة بدعوة، مقابل 40 ألف جنيه مصري (2500 دولار أميركي)، بالرغم من أن قيمتها الحقيقية لا تتعدى الـ 100 دولار.
ويقول عاطف لـ"العربي الجديد": "كانت فترة من أصعب فترات حياتي، كنا ننام على الأرض متراصين بجوار بعضنا البعض، نعيش على القليل مقابل أموال يتقاضاها منّا صاحب المنزل ووسيط التأشيرات، وصاحب الحظ هو من يستطيع إيجاد عمل، ليتمكن على الأقل من الانفصال عن هذه المجموعة ويعيش بشكل آدمي مع اثنين أو ثلاثة في مكان خاص".
عيوب فنية
إلى جانب شكوى المصريين من صعوبات في السفر بسبب جواز سفرهم المتراجع بقوة على المستوى الدولي، يعاني آخرون من عيوب فنية في "باسبور" بلادهم، أبرزها تغيير رقم جواز السفر في كل مرة يتم تجديده فيها، إذ لا يحتفظ برقم جواز السفر ثابتا كما يحتفظ بأرقام بطاقات الرقم القومي.
"تتسبب هذه العقدة، بخلاف مشكلات القنصليات وضباط الجوازات وإجراءات التأشيرات، في أزمات أخرى تتعقد أكثر إذا كان بعض المصريين قد تقدموا للحصول على خدمات أو طلبات إدارية في أي بلد عربي أو أجنبي. كما يواجه الطلبة المصريون في الخارج مشكلات روتينية متعلقة بطلبات تعديل البيانات في كل مرة يتغير فيها جواز سفر أحدهم أو جواز سفر والده أو والدته. كما يواجهون مشكلات أيضاً في التحويلات البنكية لبعض الطلاب في حال تغيير أرقام الجوازات" وفق المصدر ذاته.
عقاب المعارضين
تستخدم السلطات المصرية جواز السفر كأداة لعقاب من تصنّفهم في خانة المعارضين ممن يمارسون السياسة أو من لديهم نشاط حقوقي، أو حتى الصحافيين، وهو ما وقع العام الماضي مع الناشطة الحقوقية والمحامية ماهينور المصري، إذ تم سحب جواز سفرها أثناء عودتها من جنوب أفريقيا وتفتيشها واقتيادها إلى مكتب أمن الدولة بمطار القاهرة، ثم طلب منها التوجه إلى مكتب "الأمن الوطني" في الإسكندرية لاستعادته.
الأمر ذاته تكرر مع الصحافية رنا ممدوح، إذ صادرت قوات الأمن في مطار القاهرة الدولي، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2018، جواز سفرها، أثناء إنهائها إجراءات الوصول من الأردن، وذلك عقب تفتيش محتويات حقائبها ومصادرة مذكرات خاصة بها، وإبلاغها بأن اسمها على قوائم التفتيش.
وتلجأ السلطات المصرية إلى هذا الإجراء الذي تحوّل إلى ظاهرة بعد انقلاب 30 يونيو/حزيران 2013، رغم عدم قانونيته، وهو ما يؤكده المحامي والحقوقي عمرو صفوت قائلا لـ"العربي الجديد": "ليس من حق الشرطة سحْب جواز سفر أي مواطن، والمنع من السفر فقط هو المنصوص عليه في القانون، ولا بد أن يصدر بشأنه أمرٌ من النائب العام".
ويخالف ذلك، الإجراء الدستور والمواثيق الدولية الموقِّعة عليها مصر، إذ تنص المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل فرد حرية التنقل واختيار محل إقامته داخل حدود كل دولة"، و"يحق لكل فرد أن يغادر أية بلادٍ بما في ذلك بلده، كما يحق له العودة إليها". كما تنص المادة 12 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على أن "لكل فرد حرية التنقل واختيار مكان سكناه في أي مكان في نطاق الدولة التي يتواجد فيها بشكل شرعي"، كما "يحق لأي فرد أن يغادر أية دولة بحرّية، بما في ذلك دولته هو".
وتنص المادة 62 من الدستور المصري على أن "حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة. ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه. ولا يكون منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة"، وأشار صفوت إلى أن الحالة الوحيدة في القانون التي تسمح بسحب جوازات سفر المواطنين، هي المادة (7) من قانون الكيانات الإرهابية رقم 8 لسنة 2015، والتي تنص على "أنه تترتب بقوة القانون على نشر قرار الإدراج ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك، فيما يتعلق بالأشخاص... سحب جواز السفر أو إلغاؤه، أو منع إصدار جواز سفر جديد".
ووثّقت هيومن رايتس ووتش :"32 حالة على الأقل لمصادرة ضباط أمن المطار جوازات سفر نشطاء سياسيين وعاملين بمنظمات غير حكومية، مع إخبارهم بأن الأمن الوطني "سيتصل بهم". ولم يتمكن أغلبهم من استعادة جوازاتهم" وفق لما جاء في بيان سابق نشرته في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2015، بعنوان "المصريون يواجهون منعا واسعا من السفر".
غياب الاهتمام الرسمي
يؤكد مصدر رسمي يعمل في وزارة الخارجية غياب الاهتمام بزيادة قوة جواز السفر المصري والسماح لحامله بدخول المزيد من البلدان بلا تأشيرات. وتابع المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه من أجل الموافقة على الحديث، أن "مركز جواز السفر يحدده المركز السياسي للدولة، إذ يكتسب الجواز ثقله من الدور الذي تلعبه الدولة على المستوى العالمي، وحجم تأثيرها في العالم"، مضيفاً أن التأثير المصري على الساحة الدولية والإقليمية يشهد تراجعاً كبيراً على مدار السنوات الماضية، والدليل أنه في وسط كل الأزمات الإقليمية المحيطة بنا سواء في ليبيا أو في السودان أو في سورية، لا يوجد مبعوث أممي أو أفريقي مصري لأي من تلك الدول".
في المقابل، يرى مساعد وزير الخارجية السابق، السفير حسين هريدي، أن قوة جواز السفر لا علاقة لها بالعمل الدبلوماسي بشكل مباشر، وإنما تتوقف على عدة عوامل، في مقدمتها عدد السكان ومستوى الدخل بها والرفاهية. ولفت هريدي إلى أن مستوى معيشة الأفراد هو أحد أهم الدوافع التي تعطي لجواز السفر قوة، وبالتالي يسمح لحامله بالدخول من دون الحصول على التأشيرة المطلوبة، لأن حامل هذا الجواز لن يهرب إلى الدولة التي يدخل إليها، بل سيكون أحد مصادر الدخل لها (سياحة واستثمار).
وضرب هريدي مثالا بقوة جوازات السفر الخليجية، نظرا لما تتمتع به تلك الدول من مستوى دخل مرتفع. وتابع: من المتوقع أن تصبح (مصر) من أكبر مصدّري الغاز في العالم، بفضل الاكتشافات الكبيرة في الغاز مؤخرًا، الأمر الذي سيكون له تأثير كبير على تحسّن قوة جواز السفر المصري.
ولفت مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن من عوامل قوة جواز السفر، احترام قوانين الدول الأخرى ودخولها بشكل شرعي وقانوني، وهذا سيكون له مردود إيجابي كبير على تحسين قوة جواز السفر المصري في الخارج، ودخول عدد أكبر من الدول، دون الحصول على تأشيرة مسبقة.
وتعاني الدول التي توضع في قائمة الدول المصدرة للهجرة السرية أو التي تعتبر محطات لتلك العمليات، من ضعف جواز السفر الخاص بها، وفق ما تفسره مساعد وزير الخارجية السابق السفيرة هاجر الإسلامبولي، قائلة: "مصر تعاني كونها من بين محطات الهجرة غير الشرعية، ورغم أنها شهدت انخفاضا بنسب كبيرة خلال العامين الماضيين، إلا أن تبعات الظاهرة لا تزال عالقة في الخارج، ومن حين إلى آخر يتم الكشف عن حالة هجرة غير شرعية سابقًا لمصريين ويتم ترحيلهم"، وتابعت :"مثل هذه الأمور لها "تأثير سلبي" على سمعة المصريين في الخارج، وبالتالي تنعكس على قوة جواز السفر".وتتفق السفيرة الإسلامبولي مع الدبلوماسي هريدي في أن "المحدد لقوة جواز السفر لأي دولة، هو قوة الدولة الاقتصادية والسياسية، وليست مسؤولية وزارة الخارجية وحدها" على حد قولهما.