المؤسسات الخيرية القطرية... مواجهة مع الفقر والاتهامات العبثية بالإرهاب

12 يونيو 2017
نشاط واسع للجمعيات الخيرية القطرية (فرانس برس)
+ الخط -

سيطر شعور بالصدمة والمفاجأة على مسؤولي المؤسسات القطرية الخيرية المذكورة في البيان المشترك، الصادر عن السعودية والإمارات ومصر والبحرين، في 8 يونيو/حزيران الحالي، والذي صنفت فيه تلك الدول، شخصياتٍ ومؤسسات خيرية من جنسيات مختلفة على أنها "إرهابية"، إذ تتعاون تلك الجميعات مع جهات وفعاليات من الدول الخليجية الثلاث، كما شاركت في مؤتمرات لتبادل الآراء والاتفاقيات، خلال الأسابيع الماضية بحسب ما قاله الشيخ عايض بن دبسان القحطاني، المدير العام لمؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية (راف) الخيرية التي ورد اسمها في ذلك البيان.

ولم يختلف شعور كل من علي بن عبد الله السويدي، مدير عام مؤسسة عيد الخيرية، إذ تعمل تلك الجمعيات منذ 20 عاما في الساحة الخيرية العالمية، كما تخضع لأنظمة ولوائح الهيئة القطرية للأعمال الخيرية والتي تراقب بدقة أموال وأعمال تلك المؤسسات وغيرها عبر إجراءات إشرافية ورقابية تلزم بها الهيئة، الجمعيات العاملة في الدولة، من أجل حماية العمل الخيري من مخاطر الاستغلال السيئ مثل غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إذ تتمتع هيئة تنظيم الأعمال الخيرية بعضوية اللجنة الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المعنية بتنفيذ توصيات مجموعة العمل المالي لمكافحة غسل الأموال (FATF) الدولية المنشأة في عام 1989 لوضع التدابير القانونية والتنظيمية والتشغيلية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهديدات الأخرى ذات الصلة بنزاهة النظام المالي الدولي، بحسب ما جاء في بيان صادر عن الهيئة السبت الماضي.

إغاثة الملايين

تحتل المؤسسات الخيرية القطرية، المركز الثاني عشر عالمياً من حيث حجم المشاريع المنفذة، بحسب المدير التنفيذي لإدارة التنمية الدولية في جمعية قطر الخيرية محمد علي الغامدي، مؤكدا أن رؤية منظومة العمل الخيري القطرية، تقوم على مساعدة الإنسان في جميع أنحاء العالم، من دون التورط مع أية أطراف أو الدخول في أية صراعات، وبلغت قيمة المشروعات الخيرية التي قامت بها المؤسسات والجمعيات القطرية، خلال العام الماضي، 1.99 مليار ريال قطري، حسب البيانات المعلنة لهذه المنظمات، واحتلت قطر الخيرية المركز الأول عالميا على مستوى المنظمات الإنسانية غير الحكومية في مجال إغاثة الشعب السوري خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بحسب تقرير التتبع المالي للمساعدات الإغاثية الدولية "FTS" التابع لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا"، فيما استفاد من مشروعات مؤسسة الشيخ عيد الخيرية 14.7 مليون شخص، إذ نفذت 6642 مشروعا في 60 دولة وصلت قيمتها إلى 409 ملايين ريال، وأكدت المؤسسة أن نشاطاتها تمت تحت مظلة القانون الدولي فيما بلغ إجمالي نفقات مؤسسة راف 557 مليون ريال، واستفاد من المشروعات الخارجية والداخلية للمنظمة 19.3 مليون شخص.

ويؤكد عاملون في مجال العمل الخيري في قطر، أن الاتهامات الموجهة لأشخاص أو مؤسسات قطرية بتمويل الإرهاب، مسيسة وليس لها أساس، وبحسب الغامدي، فإن المشاريع التي تقوم بها الجمعيات الخيرية القطرية معلنة ومعروفة ومراقبة من قبل الهيئات العامة للجمعيات الخيرية القطرية، إذ تخضع موازناتها السنوية لرقابة محاسبية دقيقة وشفافة، فضلا عن رقابة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

وتابع في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن القانون القطري لا يسمح لأي شخص أو مؤسسة، بجمع تبرعات من دون موافقة رسمية مسبقة.


آليات التدقيق

تعد هيئة تنظيم الأعمال الخيرية القطرية جهة حكومية مستقلة، أنشئت بموجب القرار الأميري رقم (43) لسنة (2014)، وفق ما جاء على موقعها الإلكتروني، وتلزم الهيئة المنظمات غير الحكومية الإنسانية بتقديم تقارير تدقيق مالية مقدمة من شركات متخصصة في التدقيق تعمل وفقا لأعلى المعايير الدولية في مجال التدقيق المالي والذي يقدم بشكل دوري للهيئة.

وتعمل المنظمات الإنسانية القطرية المذكورة في البيان الخليجي المصري المشترك، "في أكثر من 70 دولة حول العالم وفقا لقوانينها وتشريعاتها الوطنية وسط ترحيب حكومي وشعبي، كما توجد شراكات وتعاون وإشادات سابقة من الدول الخليجية التي أصدرت هذا البيان، بعمل هذه المنظمات في قطاعي العمل الخيري والإنساني"، بحسب ما جاء في بيان هيئة تنظيم الأعمال الخيرية القطرية.

واشتمل البيان الخليجي المصري، على أسماء منظمات خيرية قطرية على رأسها جمعية قطر الخيرية، ومؤسسة الشيخ عيد الخيرية، ومؤسسة الشيخ ثاني بن عبد الله آل ثاني للخدمات الإنسانية "راف".

وتعمل المنظمات غير الحكومية الإنسانية المذكورة في البيان الخليجي المصري، جنبا إلى جنب مع المنظمات الدولية ومنظمات ووكالات تابعة للأمم المتحدة إذ أشادت تلك المنظمات الدولية بجهودها بل وتعتبرها شريكا لتنفيذ مشاريع تنموية وإغاثية في مناطق مختلفة من أنحاء العالم، كما يتم توثيق هذه المساعدات وفقا للأنظمة والإجراءات المتبعة بالأمم المتحدة (نظام التتبع المالي) FTS).

"وعلى الرغم من وجود تلك الآليات الرقابية المشددة، فإن تلك الاتهامات المرسلة بدعم الإرهاب والموجهة إلى جمعيات خيرية وشخصيات خليجية، صارت متكررة، إذ تثار بين الفينة والأخرى، من أجل تحجيم تبرعات الأعمال الخيرية وتقليص دور الجمعيات الخيرية التي يتم التدقيق على حساباتها وفقا لميزانيات معلنة وبحسب نظام التتبع المالي العالمي وتشرف عليها هيئات رقابية عالية المستوى"، بحسب ما يراه الداعية الإسلامي طارق السويدان.



رفض الأمم المتحدة للقائمة

"لم تتلق هيئة تنظيم الأعمال الخيرية القطرية، أي بلاغات أو شبهات لأي نشاط إرهابي متعلق بالمنظمات القطرية غير الحكومية المذكورة في البيان مما يطرح تساؤلا حول الأساس القانوني لتصنيفها إرهابية، إذ حازت المنظمات غير الحكومية المذكورة في البيان على العديد من الجوائز والإشادات العالمية بما في ذلك الدول مصدرة البيان"وفقال لما جاء في بيان الهيئة القطرية للأعمال الخيرية، وسارعت الأمم المتحدة برفض هذه القائمة، وقالت "إنها تلتزم بقوائم التصنيفات الإرهابية التي تصدرها مؤسساتها وليس أي جهة أخرى"، فيما أكد ستيفان دوجاريك المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة إن علاقات المنظمة الدولية قوية بمؤسسة قطر الخيرية، وإن لها مشاريع مشتركة معها في اليمن وسورية والعراق.


تعديل القوانين لمزيد من الشفافية

أقدمت قطر في شهر سبتمبر/ أيلول عام 2014 على تعديل قانون الجمعيات الخيرية، من أجل تحقيق مزيد من الرقابة والشفافية على أعمال الجمعيات القطرية العاملة في المجال الخيري الإنساني، ويحظر القانون رقم (15) لسنة 2014 بشأن تنظيم الأعمال الخيرية، جمع التبرعات المالية إلا بتصريح مسبق من "مجلس إدارة هيئة تنظيم الأعمال الخيرية"، وتنص المادة 42 من القانون من الباب الرابع للعقوبات والإجراءات التحفظية، على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات، وبالغرامة التي لا تزيد على مائة ألف ريال (27390 دولارا أميركيا)، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من حرر أو قدم محرراً أو سجلاً مما يلزمه القانون بتقديمه يشتمل على بيانات كاذبة، مع علمه بذلك، أو باشر نشاطاً للجمعية أو المؤسسة الخاصة الخيرية قبل تسجيلها وشهرها، طبقاً لأحكام هذا القانون، أو باشر نشاطاً محظوراً على الجمعية أو المؤسسة الخاصة الخيرية، أو نشاطاً يخالف الغرض الذي أنشئت من أجله، أو أنفق أموالها فيما لا يحقق هذا الغرض، أو دخل بأموالها في مضاربات مالية، أو واصل بسوء نية، نشاط جمعية أو مؤسسة خاصة خيرية، رغم صدور قرار بحلها مع علمه بذلك، أو جمع تبرعات لحساب جمعية أو مؤسسة خاصة خيرية على خلاف أحكام هذا القانون، وفي هذه الحالة يُحكم بمصادرة التبرعات.

وحظرت تعديلات القانون إرسال التحويلات المالية الى الخارج لأغراض خيرية أو إنسانية إلا بموجب تصريح مسبق من هيئة تنظيم الأعمال، للجمعية الخيرية أو المؤسسة الخاصة الخيرية، لغرض محدد، ولفترة محدودة، وبحسب القانون، أيضا، تلتزم الجهات الخاضعة لرقابة الهيئة بتقديم جميع ما يلزم من معلومات أو مستندات أو بيانات لمعاونة هيئة تنظيم الأعمال الخيرية في تحقيق أغراضها الرقابية، ويسمح القانون، بحل الجمعية الخيرية في حال اشتغلت بالسياسية، أو خالفت أياً من مواده.


استهداف الجمعيات في سياق الحملة على قطر

تؤكد مصادر قطرية واسعة الاطلاع أن وزارة العدل القطرية، لم تبلغ رسميا من قبل وزارة الخزانة الأميركية، بوجود أية اتهامات لمواطنين أو مؤسسات قطرية بتمويل الإرهاب، وأن الأجهزة المعنية تلقت إشادات أميركية كبيرة ومتواصلة، تتعلق بالتنسيق والتعاون الذي يجري بين السلطات القطرية والأميركية، في محاصرة تمويل الإرهاب وتجفيف منابعه.

وأكدت المصادر لـ"العربي الجديد" أن الجهات الرسمية في قطر قادرة على دحض أي اتهامات حول تمويل الإرهاب، وأن العمل الخيري في قطر مؤسسي، وعلني ويجري تحت رقابة الدولة، وليس لدى الجمعيات الخيرية في قطر ما تخفيه في هذا الصدد.

ولفتت المصادر القطرية، إلى وقوف لوبيات ضغط معادية للسياسية الخارجية القطرية في الولايات المتحدة الأميركية وراء الحملة على قطر في واشنطن، ويؤكد مدير عام مؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية (راف ) أن صدمة قرار اعتبار "راف" كياناً إرهابياً كانت كبيرة، إذ جاء من دول شقيقة وصديقة، في حين أن المعتاد أن إثارة هذه الاتهامات تكون من دول ومنظمات معادية للعرب والمسلمين، وهو ما يفسره محمد علي الغامدي بأن تلك الاتهامات تأتي في سياق رغبة في الإساءة إلى قطر في كل شيء فيها، ساخرا في تصريحات تلفزيونية، من القرار بالقول "باقي عندنا جمعية الميرة الاستهلاكية للمواد الغذائية وقد يضعونها هي الأخرى في قائمة الإرهاب"، وتابع "هذه الاتهامات لا تعني الجمعيات الخيرية في قطر، ولم يثبت عليها أية مخالفات أو تجاوزات غير قانونية، في ظل شفافية ميزانيات الجمعيات الخيرية القطرية، إذ تتوفر جميع مشاريع قطر الخيرية وموازنة هذه المشاريع في كل دول العالم على موقعها الإلكتروني، وباللغتين العربية والإنكليزية، ويتم تحديث هذه المعلومات أسبوعيا، إضافة إلى وضع بيانات الجمعية أيضا على المواقع الدولية".

وتتميز منظومة عمل الجمعيات والمؤسسات الخيرية القطرية، بأنها لا تستطيع التعامل مع أية جهة خارج دولة قطر إلا بموجب موافقة واعتماد من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بحسب الغامدي، والذي لفت إلى أن هذه الموافقة والضمانة حصانة وصمام أمان للجمعيات، حتى لا تعمل بطريق الخطأ مع جمعيات او منظمات غير مشروعة، وهو أمر ساهم في عدم توجيه أية اتهامات بشكل رسمي لأية جمعية قطرية بتهم تتعلق بتمويل الإرهاب، قائلا لـ"العربي الجديد": "تلك الاتهامات المفبركة لا تشكل هاجسا لنا وسنستمر في أداء دورنا الإنساني لمساعدة جميع المحتاجين".