يفسر الباحث المغربي إدريس الكنبوري تريث السلطات في معالجة قضية الرقية الشرعية، رغم الممارسات المتكررة من اعتداءات جنسية وضرب وتشهير في عدد من حوانيت مراكز الرقية غير القانونية، بأن الظاهرة تمثل نوعا من الاقتصاد الطرفي أو الهامشي، وتعد طقسا دينيا في نفس الوقت، ومنعها من الأصل قد يخلق صداما مع قسم كبير من المواطنين خاصة في البوادي.
ويضيف الكنبوري المختص في الشأن الديني بأن "الدولة تريد إمساك العصا من الوسط، أي الاستمرار في محاربة السلوكات المخلة قانونا من دون المنع الكلي للرقية الشرعية كممارسة"، لكن الظاهرة صارت لها تداعيات قضائية إذ نظرت المحاكم في أربع دعاوى لاعتداءات جنسية من طرف رقاة على زبوناتهم، بحسب ما وثقه معد التحقيق عبر البلاغات الأمنية، آخرهم أحد الرقاة بمدينة بركان شرقي المملكة والمحكوم بعد ثبوت تصويره لمقاطع جنسية لعدد من زبوناته، وتعد كريمة (اسم مستعار) واحدة من اللواتي تعرضن لمحاولة اغتصاب من قبل راقي شرعي بمدينة الدار البيضاء، في إحدى زياراتها في فبراير الماضي، إذ استغل ثقتها به من خلال استخدامه للمصطلحات الدينية وهيئته التي تظهره ورعا كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة أنها تقدمت بشكوى ضد الراقي الذي هتك عرضها داخل مركزه وتم اعتقاله وملف القضية ما زال متداولا.
اقــرأ أيضاً
تزايد "الحوانيت"
اعتداءات المشتغلين بالرقية، أعادت إلى الواجهة فوضى عمل الرقاة في "مراكز الرقية الشرعية" من دون تراخيص، وأيضا مدى "تخصص" شريحة من السلفيين في العمل في هذا المجال، وذلك في خضم غياب أية إحصائيات لعدد مراكز الرقية الشرعية في المغرب، بسبب تحويل رقاة لبيوتهم إلى مراكز للرقية، علاوة على الفوضى التي تستشري في هذا القطاع، بإقرار رقاة شرعيين تحدثت إليهم "العربي الجديد"، من بينهم الراقي أبو عبد الرحمان الذي يعمل في حي الواد الشعبي في مدينة سلا حيث يوجد منزله الذي اتخذ من غرفة فيه محلا له.
يقف أبو عبد الرحمان بطاقية رأس وجلباب قصير ولحية ومسواك بيد وميكروفون بيد آخر، برفقة زوجته المنقبة التي تهتم بالحديث إلى النساء وبيع بعض قوارير زيت الزيتون للرقية، بينما الزوج يتلو رقيته على الزبونات خصوصا.
يقول الراقي لـ"العربي الجديد" أن "أغلب زبائنه من النساء لكونهن أكثر شكوى من تعرضهن لأعمال السحر والمس والصرع، فضلا عن نفسياتهن الهشة والمضطربة"، مردفا أن حصة العلاج الواحدة تتراوح بين 50 درهماً (دولار واحد يساوي 9 دراهم مغربية)، وبين 500 درهم في أندر الحالات.
وفي محل للرقية الشرعية (غير مرخص) بأحد أحياء مدينة الرباط، يستقبل راقٍ آخر يدعى "عبد الحفيظ أبو معاذ"، مريضاته برفقة مساعدات له يتخصصن في حجامة النساء، بينما يتولى الراقي علاج ما قال عنه "المس والسحر والاكتئاب و"التوكال" (أي السم الذي قد يتناوله الإنسان من طرف حاسدين للتأثير على صحته وحياته)".
ويوضح الراقي بأن محله لا يتوفر على رخصة من مصالح الداخلية مثل العديد من مراكز الرقية، لكن هذا لا يمنعه من الاشتغال في "ضوء النهار" وفق تعبيره، لأنه لا يقوم بأشياء مخالفة للقانون، إنما يتلو القرآن على المرضى، والحجامة تقوم بها متخصصات لديهن شواهد في المجال، قبل أن يتابع بأن "تكلفة الحصة الواحدة تتراوح بين 100 إلى 1000 درهم حسب استعصاء الحالة"، لكنه أكمل بأنها أسعار مناسبة بالنظر إلى رقاة معروفين يملكون مراكز عصرية تصل الحصة الواحدة عندهم إلى 3000 درهم.
ووفق الراقي ذاته "من الطبيعي أن تتوجه الاتهامات إلى "أصحاب اللحى" كما يسميهم المغاربة، وهم في الغالب سلفيون، بعد توالي حوادث موثقة عن اغتصاب وهتك عرض بعض الرقاة لبعض المُسترقيات، بالنظر إلى التناقض بين شكل الراقي وحفظه المفترض لكتاب الله وبين تلك الممارسات المرفوضة".
موجات الوهابية
"تساهل" السلطات الذي تحدث عنه الكنبوري شجع الكثير من الشباب ذوي المرجعية السلفية على العمل في مجال الرقية الشرعية، حيث يعتمدون على "الشكل الإسلامي" وحفظ آيات قرآنية، ليفتتحوا بيوتا للرقية، وهو ما دفع البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي حنان رحاب إلى دق ناقوس الخطر في ديسمبر/كانون الأول الماضي في البرلمان، مشددة خطورة الاغتراف من تيارات متشددة تفد من خارج البلاد.
إثارة الموضوع من طرف هذه البرلمانية دفع عددا من المجموعات النيابية للأحزاب إلى طرح أسئلة شفوية على الحكومة بشأن موضوع الترخيص لمراكز الرقية، وإمكانية استغلالها من طرف تيارات متشددة، بغية الضغط على الحكومة لمعرفة ردة فعلها حيال السماح لهذه المراكز بالعمل رغم عدم الترخيص لها.
الباحث والمحاضر في الفكر الإسلامي أبو حفص رفيقي يوضح هذه النقطة بقوله لـ"العربي الجديد" إن ازدهار نشاط الرقية الشرعية، الذي تحول إلى حرفة ومهنة، ارتبط بموجات الوهابية التي غزت المجتمعات الإسلامية، وكانت في بدايتها ردة فعل أمام الطرق التقليدية في التعامل مع هذا الموضوع من شعوذة وسحر، قبل أن تتطور لتعود مهنة وحرفة، ويتفنن المزاولون لها في ابتكار الطرق والأساليب، لتصبح نوعا من النصب واستغلال الدين لتحقيق ثروات طائلة.
ولفت أبو حفص إلى أن ما ساعد على وقوف السلفيين وراء حوانيت الرقية الشرعية، هو تصدي عدد من شيوخ السلفية في مصر خاصة لهذا الموضوع، وإصدارهم لكتب في تأصيل ذلك وشرعنته، مثل كتب وحيد عبد السلام بالي (الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار) و (وقاية الإنسان من الجن والشيطان) والتي لقيت رواجا كبيرا.
ولفت المتحدث إلى عامل آخر يتمثل في ارتبط انتشار الرقية بما يمكن تسميته بمنظومة متكاملة تروج لخط السحر وغيرها من الأمور المشابهة في عديد المجتمعات الإسلامية، ومن بينها المغرب".
الشيخ السلفي محمد المغراوي يرد على هذا الموضوع بالقول إنه "من الإجحاف ربط مراكز الرقية وما يقع فيها أحيانا من تجاوزات بالسلفيين أو المنتسبين إلى الدعوة السلفية"، متابعا بأن "الرقية الشرعية وُجدت منذ عهد النبي عليه السلام، وأنه في كل ميدان هناك صائب ومخطئ، والسلفية بريئة من أخطاء بعض الرقاة".
اقــرأ أيضاً
بطالة وتقمص
الواعظ الديني بمساجد جهة الرباط وسلا إبراهيم بن الكراب يقدم سببا آخر لاعتقاد بعضهم بأن السلفيين خصوصا وراء فتح "حوانيت الرقية الشرعية"، إذ يقول لـ"العربي الجديد إن من البديهي أن يكون قارئ الرقية ذا سمت إسلامي، لهذا أغلب الرقاة تجدهم بلحى وجلابيب"، مضيفا أن "هذه الأمور الشكلية هي من بين ما يجذب الزبون حتى يطمئن إلى أن الراقي ذو مرجعية إسلامية، وأنه موثوق به".
ويضيف المتحدث بأنه يعرف عددا من الرقاة الذين لا ينتمون إلى السلفية ولا إلى أي تيار إسلامي كيفما كان، لكن يطلقون اللحى ويلبسون الثياب القصيرة، ويحفظون آيات الرقية وعلاج السحر والمس وما إلى ذلك استنادا إلى بعض الكتب السلفية الرائجة في السوق المغربي، ثم يشرعون في فتح بيوتهم كمراكز للرقية، بحثا عن المال".
ويلفت المتحدث إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بالتوجه السلفي الذي يقف وراء تناسل مراكز الرقية الشرعية، ولكن أيضا البطالة والبحث عن مورد للرزق، ليصبح مجال الرقية مهنة من لا مهنة له في المغرب، إذ يكفي أن تكون لديك لحية وسمت حسن وكلام منتقى وآيات مستظهرة لتفتح بيتا للرقية مقابل 50 درهما (5.26 دولارات) للحصة الواحدة، ويصل المبلغ إلى 500 (60 دولارا) وإلى 3 آلاف درهم (316 دولاراً) للحصة الواحدة في حالات الرقاة المشهورين في البلاد".
الراقي سليمان المبروك صاحب مركز للرقية (ليس لديه ترخيص قانوني) قال لـ"العربي الجديد" ردا على ما قاله بن الكراب، بأنه "لا يتعين تعميم هذه الصورة على الرقاة في البلاد، فهناك رقاة لم يلجوا الميدان بتقمص شخصية الشاب السلفي أو الإسلامي، ولا بإطلاق لحية مزيفة، ولكن حبا بالفعل في مد يد المساعدة للمصابين بأمراض روحية، أو ممن تأذوا من طرف بعض الجن، وبالتالي فالشباب السلفي هو أفضل من يعمل في مجال الرقية، والاستثناءات لا حكم لها".
اقــرأ أيضاً
مراقبة حذرة
بعد كل هذه الضجة التي أثيرت بشأن "حوانيت الرقية الشرعية"، سواء ما تعلق منها بحوادث الاعتداءات الجنسية أو عدم حصولها على تراخيص قانونية، يطرح مراقبون سؤال مستقبل هذه المراكز، وهل ستعمد الدولة إلى إغلاقها أو إلى تقنينها، والسماح فقط لمن سيحل منها على التراخيص اللازمة.
وزير الأوقاف المفكر والروائي أحمد التوفيق أفاد في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن "معالجة موضوع الرقية الشرعية بالغ التعقيد وفيه مستويات كثيرة، والوزارة رغم متابعتها لمستجدات هذا الملف، فهي ليست معنية مباشرة به، بل بإصدار الفتوى من طرف علماء المجلس العلمي عندما يُطلب منهم ذلك من طرف المصالح المختصة".
ويؤكد مصدر مسؤول في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد" إن وزارة الصحة قد تتدخل في حالة واحدة عندما تصلها شكاوى من مرضى واجهوا مشاكل صحية عند تلقيهم للرقية أو للحجامة في هذه المراكز، مضيفا أن: "وزارة الصحة تتابع تطورات هذه القضية، ولن تتأخر في اتخاذ القرارات الواجبة لصون صحة المواطنين عند التحقق من تعرضها للمس أو التهديد".
ويضيف الكنبوري المختص في الشأن الديني بأن "الدولة تريد إمساك العصا من الوسط، أي الاستمرار في محاربة السلوكات المخلة قانونا من دون المنع الكلي للرقية الشرعية كممارسة"، لكن الظاهرة صارت لها تداعيات قضائية إذ نظرت المحاكم في أربع دعاوى لاعتداءات جنسية من طرف رقاة على زبوناتهم، بحسب ما وثقه معد التحقيق عبر البلاغات الأمنية، آخرهم أحد الرقاة بمدينة بركان شرقي المملكة والمحكوم بعد ثبوت تصويره لمقاطع جنسية لعدد من زبوناته، وتعد كريمة (اسم مستعار) واحدة من اللواتي تعرضن لمحاولة اغتصاب من قبل راقي شرعي بمدينة الدار البيضاء، في إحدى زياراتها في فبراير الماضي، إذ استغل ثقتها به من خلال استخدامه للمصطلحات الدينية وهيئته التي تظهره ورعا كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة أنها تقدمت بشكوى ضد الراقي الذي هتك عرضها داخل مركزه وتم اعتقاله وملف القضية ما زال متداولا.
تزايد "الحوانيت"
اعتداءات المشتغلين بالرقية، أعادت إلى الواجهة فوضى عمل الرقاة في "مراكز الرقية الشرعية" من دون تراخيص، وأيضا مدى "تخصص" شريحة من السلفيين في العمل في هذا المجال، وذلك في خضم غياب أية إحصائيات لعدد مراكز الرقية الشرعية في المغرب، بسبب تحويل رقاة لبيوتهم إلى مراكز للرقية، علاوة على الفوضى التي تستشري في هذا القطاع، بإقرار رقاة شرعيين تحدثت إليهم "العربي الجديد"، من بينهم الراقي أبو عبد الرحمان الذي يعمل في حي الواد الشعبي في مدينة سلا حيث يوجد منزله الذي اتخذ من غرفة فيه محلا له.
يقف أبو عبد الرحمان بطاقية رأس وجلباب قصير ولحية ومسواك بيد وميكروفون بيد آخر، برفقة زوجته المنقبة التي تهتم بالحديث إلى النساء وبيع بعض قوارير زيت الزيتون للرقية، بينما الزوج يتلو رقيته على الزبونات خصوصا.
يقول الراقي لـ"العربي الجديد" أن "أغلب زبائنه من النساء لكونهن أكثر شكوى من تعرضهن لأعمال السحر والمس والصرع، فضلا عن نفسياتهن الهشة والمضطربة"، مردفا أن حصة العلاج الواحدة تتراوح بين 50 درهماً (دولار واحد يساوي 9 دراهم مغربية)، وبين 500 درهم في أندر الحالات.
وفي محل للرقية الشرعية (غير مرخص) بأحد أحياء مدينة الرباط، يستقبل راقٍ آخر يدعى "عبد الحفيظ أبو معاذ"، مريضاته برفقة مساعدات له يتخصصن في حجامة النساء، بينما يتولى الراقي علاج ما قال عنه "المس والسحر والاكتئاب و"التوكال" (أي السم الذي قد يتناوله الإنسان من طرف حاسدين للتأثير على صحته وحياته)".
ويوضح الراقي بأن محله لا يتوفر على رخصة من مصالح الداخلية مثل العديد من مراكز الرقية، لكن هذا لا يمنعه من الاشتغال في "ضوء النهار" وفق تعبيره، لأنه لا يقوم بأشياء مخالفة للقانون، إنما يتلو القرآن على المرضى، والحجامة تقوم بها متخصصات لديهن شواهد في المجال، قبل أن يتابع بأن "تكلفة الحصة الواحدة تتراوح بين 100 إلى 1000 درهم حسب استعصاء الحالة"، لكنه أكمل بأنها أسعار مناسبة بالنظر إلى رقاة معروفين يملكون مراكز عصرية تصل الحصة الواحدة عندهم إلى 3000 درهم.
ووفق الراقي ذاته "من الطبيعي أن تتوجه الاتهامات إلى "أصحاب اللحى" كما يسميهم المغاربة، وهم في الغالب سلفيون، بعد توالي حوادث موثقة عن اغتصاب وهتك عرض بعض الرقاة لبعض المُسترقيات، بالنظر إلى التناقض بين شكل الراقي وحفظه المفترض لكتاب الله وبين تلك الممارسات المرفوضة".
موجات الوهابية
"تساهل" السلطات الذي تحدث عنه الكنبوري شجع الكثير من الشباب ذوي المرجعية السلفية على العمل في مجال الرقية الشرعية، حيث يعتمدون على "الشكل الإسلامي" وحفظ آيات قرآنية، ليفتتحوا بيوتا للرقية، وهو ما دفع البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي حنان رحاب إلى دق ناقوس الخطر في ديسمبر/كانون الأول الماضي في البرلمان، مشددة خطورة الاغتراف من تيارات متشددة تفد من خارج البلاد.
إثارة الموضوع من طرف هذه البرلمانية دفع عددا من المجموعات النيابية للأحزاب إلى طرح أسئلة شفوية على الحكومة بشأن موضوع الترخيص لمراكز الرقية، وإمكانية استغلالها من طرف تيارات متشددة، بغية الضغط على الحكومة لمعرفة ردة فعلها حيال السماح لهذه المراكز بالعمل رغم عدم الترخيص لها.
الباحث والمحاضر في الفكر الإسلامي أبو حفص رفيقي يوضح هذه النقطة بقوله لـ"العربي الجديد" إن ازدهار نشاط الرقية الشرعية، الذي تحول إلى حرفة ومهنة، ارتبط بموجات الوهابية التي غزت المجتمعات الإسلامية، وكانت في بدايتها ردة فعل أمام الطرق التقليدية في التعامل مع هذا الموضوع من شعوذة وسحر، قبل أن تتطور لتعود مهنة وحرفة، ويتفنن المزاولون لها في ابتكار الطرق والأساليب، لتصبح نوعا من النصب واستغلال الدين لتحقيق ثروات طائلة.
ولفت أبو حفص إلى أن ما ساعد على وقوف السلفيين وراء حوانيت الرقية الشرعية، هو تصدي عدد من شيوخ السلفية في مصر خاصة لهذا الموضوع، وإصدارهم لكتب في تأصيل ذلك وشرعنته، مثل كتب وحيد عبد السلام بالي (الصارم البتار في التصدي للسحرة الأشرار) و (وقاية الإنسان من الجن والشيطان) والتي لقيت رواجا كبيرا.
ولفت المتحدث إلى عامل آخر يتمثل في ارتبط انتشار الرقية بما يمكن تسميته بمنظومة متكاملة تروج لخط السحر وغيرها من الأمور المشابهة في عديد المجتمعات الإسلامية، ومن بينها المغرب".
الشيخ السلفي محمد المغراوي يرد على هذا الموضوع بالقول إنه "من الإجحاف ربط مراكز الرقية وما يقع فيها أحيانا من تجاوزات بالسلفيين أو المنتسبين إلى الدعوة السلفية"، متابعا بأن "الرقية الشرعية وُجدت منذ عهد النبي عليه السلام، وأنه في كل ميدان هناك صائب ومخطئ، والسلفية بريئة من أخطاء بعض الرقاة".
بطالة وتقمص
الواعظ الديني بمساجد جهة الرباط وسلا إبراهيم بن الكراب يقدم سببا آخر لاعتقاد بعضهم بأن السلفيين خصوصا وراء فتح "حوانيت الرقية الشرعية"، إذ يقول لـ"العربي الجديد إن من البديهي أن يكون قارئ الرقية ذا سمت إسلامي، لهذا أغلب الرقاة تجدهم بلحى وجلابيب"، مضيفا أن "هذه الأمور الشكلية هي من بين ما يجذب الزبون حتى يطمئن إلى أن الراقي ذو مرجعية إسلامية، وأنه موثوق به".
ويضيف المتحدث بأنه يعرف عددا من الرقاة الذين لا ينتمون إلى السلفية ولا إلى أي تيار إسلامي كيفما كان، لكن يطلقون اللحى ويلبسون الثياب القصيرة، ويحفظون آيات الرقية وعلاج السحر والمس وما إلى ذلك استنادا إلى بعض الكتب السلفية الرائجة في السوق المغربي، ثم يشرعون في فتح بيوتهم كمراكز للرقية، بحثا عن المال".
ويلفت المتحدث إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بالتوجه السلفي الذي يقف وراء تناسل مراكز الرقية الشرعية، ولكن أيضا البطالة والبحث عن مورد للرزق، ليصبح مجال الرقية مهنة من لا مهنة له في المغرب، إذ يكفي أن تكون لديك لحية وسمت حسن وكلام منتقى وآيات مستظهرة لتفتح بيتا للرقية مقابل 50 درهما (5.26 دولارات) للحصة الواحدة، ويصل المبلغ إلى 500 (60 دولارا) وإلى 3 آلاف درهم (316 دولاراً) للحصة الواحدة في حالات الرقاة المشهورين في البلاد".
الراقي سليمان المبروك صاحب مركز للرقية (ليس لديه ترخيص قانوني) قال لـ"العربي الجديد" ردا على ما قاله بن الكراب، بأنه "لا يتعين تعميم هذه الصورة على الرقاة في البلاد، فهناك رقاة لم يلجوا الميدان بتقمص شخصية الشاب السلفي أو الإسلامي، ولا بإطلاق لحية مزيفة، ولكن حبا بالفعل في مد يد المساعدة للمصابين بأمراض روحية، أو ممن تأذوا من طرف بعض الجن، وبالتالي فالشباب السلفي هو أفضل من يعمل في مجال الرقية، والاستثناءات لا حكم لها".
مراقبة حذرة
بعد كل هذه الضجة التي أثيرت بشأن "حوانيت الرقية الشرعية"، سواء ما تعلق منها بحوادث الاعتداءات الجنسية أو عدم حصولها على تراخيص قانونية، يطرح مراقبون سؤال مستقبل هذه المراكز، وهل ستعمد الدولة إلى إغلاقها أو إلى تقنينها، والسماح فقط لمن سيحل منها على التراخيص اللازمة.
وزير الأوقاف المفكر والروائي أحمد التوفيق أفاد في تصريح لـ"العربي الجديد" بأن "معالجة موضوع الرقية الشرعية بالغ التعقيد وفيه مستويات كثيرة، والوزارة رغم متابعتها لمستجدات هذا الملف، فهي ليست معنية مباشرة به، بل بإصدار الفتوى من طرف علماء المجلس العلمي عندما يُطلب منهم ذلك من طرف المصالح المختصة".
ويؤكد مصدر مسؤول في وزارة الصحة لـ"العربي الجديد" إن وزارة الصحة قد تتدخل في حالة واحدة عندما تصلها شكاوى من مرضى واجهوا مشاكل صحية عند تلقيهم للرقية أو للحجامة في هذه المراكز، مضيفا أن: "وزارة الصحة تتابع تطورات هذه القضية، ولن تتأخر في اتخاذ القرارات الواجبة لصون صحة المواطنين عند التحقق من تعرضها للمس أو التهديد".