انشقاقات الإخوان.. سراب يحسبه الظمآن ماءً

11 يونيو 2015
عباس الموسوي
+ الخط -

الانشقاقات فى جسد جماعة الإخوان المسلمين، ظاهرة ليست جديدة، وإنما هى متلازمة مع مسار ومسيرة الحركة منذ زمن المؤسس الإمام حسن البنا؛ ففي عام 1940 انشقت حركة "شباب محمد" عن الإخوان وكان على رأسهم المحامي محمد عطية خميس، وفى عام 1947 انشق الأستاذ أحمد السكري وكيل إمام الإخوان المسلمين وأسس جمعية "الإخوان المجاهدون الأحرار"، وفى عهد المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي وقع صدام عنيف بينه وبين عبد الرحمن السندي مسؤول التنظيم الخاص؛ إذ قرر الهضيبي إعادة تشكيل التنظيم الخاص وتعيين بديل للسندي، وانتهي الأمر بفصل السندي من الجماعة، وشهدت فترة المرشد الخامس مصطفى مشهور في يناير/كانون الثاني عام 1996 وقوع انشقاق آخر حينما تقدم أبو العلا ماضي عضو مجلس شورى الجماعة، بطلبٍ للجنة شؤون الأحزاب لإنشاء "حزب الوسط"، باحثاً عن رخصة سياسية للإخوان المسلمين، فحاولت الجماعة إقصاء ماضي عن فكرة الحزب، إلا أنه رفض ذلك واستقال هو وعدد من أعضاء الجماعة ليؤسسوا حزب الوسط، وفى فترة المرشد الثامن محمد بديع قرر مجلس الشورى العام للإخوان المسلمين فصل الدكتورعبد المنعم أبو الفتوح من عضوية الجماعة، بناءً على ما أوصت به لجنة التحقيق الدائمة في جلسة 18 يونيو/حزيران 2011، لترشحه لمنصب رئاسة الجمهورية وعدم التزامه بقرارات الجماعة فى ذلك. اليوم ونحن في منتصف عام 2015 نرى أن الجماعة مُقبلة على انشقاق جديد بناء على لغة الخطاب الإعلامي المتبادلة بين قادة الجماعة في داخلها وخارجها عبر وسائل إعلام الجماعة المُعتمدة، وهذا الانشقاق المتوقع يعود إلى عدم حسم قيادات الجماعة لنوعية الاستراتيجية المُتبعة لإدارة الصراع مع الجيش والأجهزة الأمنية المصرية بعد انقلاب 3 يوليو/تموز 2013.

الانشقاقات فى ضوء الخبرة العالمية

حدوث الانشقاقات فى الحركات الأيديولوجية بمختلف توجهاتها سواء أكانت إسلامية، أو اشتراكية، أو ليبرالبية أمر معتاد ومتعارف عليه وله نتائج استراتيجية قوية على الحركات والمجتمعات والأنظمة السياسية المحلية والإقليمية؛ ويتضح ذلك من خلال تعرفنا على التجارب الثلاث التالية.

أولاً: تجربة ماوتسي تونغ المتمرد

كان ماوتسي تونغ من كبار الأعضاء البارزين فى الحزب الشيوعى الصيني الذى تأسس عام 1920، وكانت استراتيجية الحزب تعتمد على شريحة العمال، ولكن ماوتسي قرر اعتماد نظرية عمل مغايرة للحزب رافعاً شعار الثورة تبدأ من حقول الأرز، ويقصد بذلك الاعتماد على الفلاحين بدلاً من العمال، فقرر الانتقال إلى جبال تسينغكانغ لبناء جيش التحرير الجديد المكون من الزراع ثم البدء فى تطويق المدن والاستيلاء عليها لاحقاً، وقد ترتب على اختيار ماو لهذه الاستراتيجية فصله من الحزب الشيوعي الصيني واعتباره خارجاً عن استراتيجية وأهداف الحزب، وأنه خائن للاشتراكية النقية، لكن نجاح الثورة الاشتراكية فى الصين كان بفضل استراتيجية ماو الجديدة والمبتكرة وغير المعتادة.

ثانياً: تجربة نجم الدين أربكان

شباب العدالة والتنمية أدركوا كيف تعامل الجيش مع زعيمهم السابق نجم الدين أربكان عندما كان رئيساً للوزراء وأدركوا طبيعة المؤسسة العسكرية التركية في تعاملها مع تجارب المناضل نجم الدين أربكان (حزب الرفاه 1983، حزب الفضلية 2000، حزب السعادة سنة 2001) ولمسوا صعوبة تحمل الطاولة السياسية التركية لزعيم بوزن أربكان، سواء كان هذا يرجع لاستراتيجية نجم الدين، أو لطرحه السياسي أو للأخطاء التى وقعت فيها الأحزاب الثلاثة التى توالى هو رئاستها، أو للعداء التاريخي الذي تكون بين المؤسسة العسكرية ونجم الدين، أو لتطرف المؤسسة العسكرية حامية العلمانية، ومن هنا تحركوا في مسار البحث عن مخرج من هذه المعضلة التاريخية، فحاولوا التحرك فيما يملكون -ترتيب البيت الداخلي- فى حزب السعادة من أجل صياغة استراتيجية جديدة وخطاب جديد يستطيع تفكيك هذه الأزمات السابقة ولكنهم تعرضوا لحملات تشهير وتضييق من قادة الحزب التاريخيين، فلم يبق لهم خيار سوى الانشقاق والنزول للمعلب السياسي بأنفسهم وفق استراتيجية وتكتيك وخطاب جديد متجاوز لطرح حزب السعادة المُتكلس، ويحسن التعامل مع الواقع التركي المُعاصر، وفى النهاية قدموا لنا تجربة سياسية جديدة أبرزت قادة سياسيين جدداً مثل رجب طيب أوردغان، والرئيس عبد الله غول، ورئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وغيرهم.

ثالثاً: تجربة حزب الله اللبناني

بعد اختفاء الإمام الصدر مؤسس حركة أمل في ليبيا في أغسطس/آب 1978 مرت حركة أمل بمخاض داخلي كبير، فانقسمت بين تيارين فكريين رئيسين تجاذبا الحركة حتى عام 1982، هما جناح العلمانيين بقيادة نبيه بري، وجناح الإسلاميين الذين أرادوا أن تكون الحركة إسلامية وتسير على خط الإمام الصدر، وقد نشأ تنافس بين هذين الجناحين حتى تم في المؤتمر الرابع لحركة أمل في عام 1981 الاتفاق على تسوية استمر من خلالها نبيه بري ممسكاً بالقيادة، مع إعطاء دور نيابة الرئيس للسيد عباس الموسوي الذي كان يمثل رمز الإسلاميين داخل الحركة، ومع الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 6 يونيو/حزيران 1982 شكل عباس الموسوي حركة أمل الإسلامية. ولم ينته الخلاف ووصل لحد الاقتتال العنيف بين أعضاء الحركة؛ وانتهى الأمر لصالح الإسلاميين فولد حزب الله نتيجة هذه الانشقاقات في داخل حركة أمل.

ما هو مستقبل انشقاقات جماعة الإخوان المسلمين؟

التدافع الداخلي فى الحركات السالفة قد أثمر تطوراً هائلاً في أدائها بشكل مكّنها من تحقيق أهدافها وجعلها قيمة مُضافة لقوة المجتمع والدولة والإقليم، بينما نجد أن انشقاقات الإخوان المسلمين القديم منها والحديث لم تنتج شيئاً ذا قيمة سياسية يعود بالنفع الجماهيري والسياسي على الحركة والمجتمع والدولة؛ وذلك يرجع إلى أن الخلافات داخل أروقة جماعة الإخوان المسلمين تنتمي للتاريخ ولا تنحاز للمستقبل بشكل عام؛ فمعظم النقاشات داخل الحركة تدور في فلك كتابات المؤسس حسن البنا (الرسائل) والتي أصبحت لاعلاقة لها بتحديات الواقع السياسي والاجتماعي المصري المعاصر، وكل فريق من المتنافسين داخل الإخوان يدّعي أنه الأقرب إلى منهج حسن البنا من الآخر؛ وبالتالي كل الانشقاقات داخل الإخوان هي عبارة عن جري في المكان، أو خلاف إجرائي يتعلق بكيفية تشغيل تنظيم الإخوان بدرجة أفضل فقط، ولا علاقة لها من قريب أو بعيد بطرح أفكار فلسفية جديدة وعميقة تتعلق برؤية كلية لأحوال المجتمع والدولة، والإقليم، والشأن الدولي؛ وذلك ناتج عن انغلاق مسام حركة الإخوان أمام الإبداعات الثورية والإصلاحية العالمية؛ فمدرسة الإخوان المسلمين التربوية والثقافية لا تعرف كتابات الدكتور على شريعتي، ولا محاضرات مالك بن نبي، ولم تدرس مؤلفات ماركس، ولم تتفاكر فى دروس تجربة ماوتسي تونغ الثورية، ولم تتعرف على تجربة الثورة الإيرانية والفرنسية.

وبناءً على ما تقدم، أعتقد أنه من الخطأ تعليق الآمال العريضة على حدوث تطور نوعي واستراتيجي فى حركة الإخوان المسلمين ينعكس بالنفع والفائدة على الحركة والمجتمع والدولة المصرية فى القريب العاجل؛ ما لم تتغير البُنية الفكرية السائدة والمُهيمنة على عقلية الجماعة.

--------
اقرأ أيضاً:
زيارة لإيران فجرت أزمة قيادة "الإخوان" الأخيرة

دلالات