مخاوف شلش تؤكدها إفادة منظمة الصحة العالمية في ردها على طلب معلومات تقدم به "العربي الجديد" موضحة أنه لا توجد علاجات محددة أو لقاحات لفيروس كورونا المستجد COVID-19، وهو الفيروس المكتشف حديثاً والذي ينحدر من فصيلة فيروسات كورونا واسعة الانتشار، والمعروفة بأنها تسبب أمراضاً تتراوح من نزلات البرد الشائعة، إلى الاعتلالات الأشد وطأة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (مرض تنفسي فيروسي يتسبب بضيق التنفس)، كما يوضح عضو اللجنة الوطنية لمكافحة الأوبئة في الأردن الطبيب وائل الهياجنة.
وتبين بيانات المنظمة أن العلاج الحالي يستند إلى التشخيص السريري وفقاً لحالة المريض، وما زالت العلاجات تحت الرصد من خلال تجارب سريرية على المرضى، بينما قال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن إعداد أول لقاح ضد فيروس كورونا المستجد قد يتأخر حتى 18 شهراً، وفقاً لتقديراته التي أعلن عنها في جلسة الإحاطة الإعلامية التي انعقدت في الثالث عشر من فبراير 2020 بشأن فيروس كورونا المستجد.
هل يمكن الوصول لعلاج عبر بلازما الدم؟
يعمل الأطباء في المقاطعات الصينية على تجريب علاج سريري يعتمد على تبرع المتعافين ببلازما الدم للمرضى ممن يواجهون العدوى، وما زالت المؤسسات الطبية وبنوك الدم تعكف على صياغة خطة لجمع البلازما بما يتفق بدقة مع تقييم الطبيب للمتبرع، ويضمن سلامة البلازما من أي أمراض قد تنتقل إلى المتبرع إليه، وفقاً للتوضيح المنشور على الموقع الإلكتروني للجنة الوطنية الصينية للصحة، في الثامن عشر من فبراير الجاري.
وتعمل البلازما على منح جرعة مركزة من الأجسام المضادة للمريض ما يسهم في تقوية جهازه المناعي لمواجهة المرض بالإعتماد على المتعافين من المرض وفق مصادر التحقيق، لكن باعتباره مرضاً جديداً، ما زالت منظمة الصحة العالمية بحاجة إلى مزيد من البيانات الوبائية لاستخلاص أي استنتاجات لمعايير وسلوك الفيروس، ولا يزال مصدر الفيروس غير مؤكد، لكن المنظمة ترجح أن يكون مستودعاً حيوانياً، وفقاً لما قالته لـ "العربي الجديد"، وتشير المعلومات المنشورة على موقعها الإلكتروني إلى أن فيروسات كورونا هي فصيلة كبيرة من الفيروسات التي يمكن أن تتسبب في طائفة من الأمراض، إذ اكتشف فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية في السعودية عام 2012، ورجحت المنظمة أن يكون منشأه الخفافيش وانتقل إلى الجمال، أما الفيروس المستجدّ المكتشف عام 2019 في مدينة ووهان عاصمة مقاطعة هوبي وسط الصين، فما زال تحت الدراسة.
مصدر قلق للصحة العامة
بلغت نسبة الوفيات من مجموع المصابين بفيروس كورونا الجديد في الصين 2%، منذ ظهوره في ديسمبر/كانون الأول 2019 وحتى الآن بحسب إفادة منظمة الصحة العالمية، وعلى الرغم من صعوبة تحديد نسبة الوفيات الدقيقة، لكن حالات الوفاة مرتبطة بالتقدم في العمر، مؤكدة أن المرض الجديد سريع التغير، لذلك ما يزال تحليله مستمراً.
وبلغ العدد الإجمالي لحالات الإصابة المؤكدة بفيروس كورونا الجديد في الصين 74.279 حالة منذ الإعلان عن المرض وحتى التاسع عشر من فبراير 2020، بينما وصل إجمالي عدد المصابين المغادرين للمشافي بعد تماثلهم للشفاء إلى 14388 حالة، وأصبح 236 شخصاً في حالة مرضية شديدة يوم الثامن عشر من الشهر الجاري، بينما توفي 2006 مريضا وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر بيانات اللجنة الوطنية الصينية للصحة.
ويمكن أن يتسبب الفيروس في أعراض خفيفة تشبه أعراض الإنفلونزا، وقد تتطور لتصبح أكثر حدة، وبناءً على معلومات منظمة الصحة العالمية، فإن 82% من الحالات المصابة لديها أعراض خفيفة تشمل الحمّى والسعال والإرهاق، بينما تتطور 15% منها إلى مرض شديد، ويعاني المصابون في هذه الحالة من ضيق التنفس، و3% من الحالات المصابة حرجة، ويتسبب لها الفيروس بفشل التنفس ما يتطلب إمداد المريض بالتنفس الاصطناعي ورعايته في وحدة العناية المركزة.
بلاغات بأثر رجعي
يرجع مدير منظمة الصحة العالمية التزايد المستمر في عدد الحالات المصابة فعلياً بالفيروس في الصين، وفي مقاطعة هوبي تحديداً، إلى أن الحالات المبلغ عنها أو المكتشفة حالياً تعود إلى فترة أيام وأسابيع مضت، وأن الإبلاغ عنها رجعي الأثر، بوصفها حالات يُرد تاريخها أحياناً إلى مرحلة بداية اندلاع المرض المتفشي في مدينة ووهان مركز الوباء.
وما زالت منظمة الصحة العالمية تعكف على تسريع عملية تطوير التشخيص واللقاحات والأدوية لمواجهة الفيروس، بالعمل على ذلك مع الصين والعلماء والباحثين على مستوى العالم، وإلى حين تجهيزها، فإن الأطباء السريريين سيضطرون إلى انتظار تأكيد الإصابات مخبرياً قبل الإبلاغ عنها وعزلها ومعالجتها، كما يوضح المتحدث الإعلامي باسم المنظمة طارق جاسارافيتش لـ"العربي الجديد".
ولم تتنبه منظمة الصحة العالمية لخطر الفيروس الذي تم تحديد هويته في السابع من يناير 2020، إلا بعدما أبلغتها السلطات الصينية بأنها اكتشفت فيروساً جديداً بالفعل، هو فيروس كورونا المستجد، علماً أن الصين سجلت حالات التهاب رئوي متعددة في ووهان خلال ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكنها لم تجعل الأمر معلناً، ولم تطلب تدخل السلطات المركزية إلا بعد فقدان سيطرتها على تفشي المرض. كما يروي لـ"العربي الجديد" الطالب الأردني، رشيد الشياب، الذي غادر ووهان في الأول من فبراير 2020 على متن طائرة الإخلاء الأردنية، والتي أجْلت 70 شخصاً من المدينة، بينهم عرب، إذ يقول الشياب إن التلكؤ في اتخاذ إجراءات الوقاية من فيروس غير محدد أسهم في نشره، حيث جال الآلاف من سكان مدينة ووهان التي تعتبر مركز الوباء في المدن الأخرى داخل الصين، ومنهم من سافر خارجها، قبل عزلها في الثالث والعشرين من يناير المنصرم، ما يعد عاملا مهما في نشر المرض.
وتتوفر معلومات محدودة حالياً لتوصيف الطيف الكامل للأمراض السريرية المرتبطة بعدوى COVID-19، وحتى الآن تم ربط معظم الحالات المبلغ عنها خارج الصين بالإقامة في ووهان، بحسب إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA، في تقريرها المنشور في الرابع عشر من فبراير 2020.
لهذا السبب، غادر الكثير من الطلبة العرب ووهان منذ بداية الأزمة، أما الباقون هناك فيلتزمون مساكنهم، ويتلقون تعليمات السلامة العامة من جامعاتهم، وفقاً لإفادة الطالب اللبناني أدهم السيد، المقيم في المدينة منذ أربع سنوات، والذي قال لـ"العربي الجديد" إن هذا الحال ينطبق على العملية التعليمية في المدارس والتي توقفت إثر انتشار الفيروس، حيث يلتزم السكان منازلهم تجنباً للعدوى، ويقتصر الخروج على الضرورة القصوى، كما تلزم السلطات المحلية في الصين السكان بعدم التجمهر أو التجول.
إجراءات أكثر صرامة
لدى اكتشاف الفيروس الجديد، انتهجت الصين إجراءات صارمة من أجل قطع طرق انتشار الفيروس وتقليل حالات الإصابة الجديدة بصورة فعالة، لكن الارتفاع المستمر في عدد المصابين دفعها إلى تقوية الإجراءات الإحترازية، لدرجة إخضاع أي شخص يسير بلا معدات الوقاية لمساءلة قانونية باعتباره ارتكب خرقاً لإجراءات السلامة العامة، إذ يلزم الجميع باستخدام الكمامات في الطرقات والأماكن العامة كما أظهرت مقاطع فيديو طائرات مُسيرة محملة بمكبرات صوت أطلقتها عناصر الشرطة لحث أشخاص على وضع الكمامات أو الدخول للمنازل، وعدم التجمع. بحسب شلش.
ودأبت السلطات في المطارات ومحطات سكك الحديد وقطارات الأنفاق على فحص درجات حرارة المسافرين، ويوضح شلش أن سائقي التاكسي في المدن الصينية يجرون أيضاً فحص الحرارة للراكبين قبل أن يقلوهم، انصياعاً لتعليمات اللجنة الوطنية للصحة الصينية لمكافحة الوباء.
وأصدرت السلطات المحلية تعميماً لكافة المجمعات السكنية تلزمها فيه بإغلاق بواباتها والإبقاء على واحدة يتم من خلالها حصر الداخلين والخارجين، واتبعت آلية تسجيل السكان وإصدار بطاقات مؤقتة لكل مجمع سكني، ما يعني منع أي شخص لا يسكن المجمع من الدخول إليه، وشملت هذه الإجراءات منع عمال نقل الطرود السريعة من الوصول إلى الشقق السكنية لتوصيل الطرود، وهذا ألقى بظلاله على كبار السن وآلاف العائلات التي كانت تستعين بعمال التنظيف أو مدبرات المنزل، كما يقول شلش من خلال اطلاعه على مسار الحياة اليومية في العاصمة الصينية، مشيراً إلى أنه في ووهان تحديداً أعلنت السلطات أن جميع المجمعات السكنية مغلقة بالكامل، وطبق ذلك منذ الثاني عشر من فبراير الحالي، في محاولة لتقوية السيطرة على الوباء وتقليل حركة الأشخاص بشكل أكبر.
وتدرك منظمة الصحة العالمية، أن احتمال انتقال COVID-19 المستجدّ من الأشخاص المصابين بالفيروس قبل ظهور الأعراض عليهم واردة، إذ قد تتأخر الأعراض في الظهور على المصاب حتى فترة 10 أيام وقد تصل إلى 14 يوماً من فترة حضانته للفيروس الذي يمتد من يومين وحتى 14 يوماً، وهذا هو سبب توجه الصين إلى تقوية الإجراءات الإحترازية.
نقص في الغذاء وأدوات الوقاية
لاحظ السكان ارتفاعاً واضحاً في أسعار مواد غذائية أساسية ونقص بعض المواد الأخرى، لدى الإعلان عن الوباء في ظل توقف حركة البيع والخدمات خلال عطلة الربيع، كما يروي الطالب الأردني يزن الصخارنة الذي غادر ووهان قائلاً: "عانينا من صعوبة في إيجاد مواد الوقاية وشح في الأغذية في المحال التجارية في محيط المدينة"، ويواجه سكان العاصمة الصينية والمقاطعات الأخرى المعاناة ذاتها، كما يؤكد شلش، موضحاً أن قلة المعروض من الخضر والفواكه تحديداً أدى إلى مضاعفة سعرها، فالصنف الذي كان يباع بـ 10 يوان (1.43 دولار)، أصبح سعره حالياً 22 يوان، أي ما يعادل 3.14 دولارات.
لذلك نشرت الإدارة العامة للرقابة على السوق حوالي 390 ألف موظف في الأسواق لإنفاذ القانون، كما رفعت 1413 قضية ذات صلة بانتهاكات الأسعار مطلع الشهر الجاري، وشددت الرقابة على السلع الحمائية كالكمامات والمواد المعقمة، بالإضافة إلى المواد الغذائية الأساسية، حتى لا يستغل التجار الوضع ويلجأوا لرفع أسعارها في ظل الحاجة المتزايدة لها، ولمنع تسويق منتجات وقائية مزيفة قد تؤثر على الوقاية من الوباء ومكافحته، وفقاً لبيانات إدارة الرقابة على السوق في الصين، والمنشورة على موقعها الإلكتروني في السادس من فبراير 2020.
وخلت أعداد كبيرة من صيدليات ومحالّ العاصمة بكين، وفي المقاطعات التي تأثرت بالوباء، من الكمامات الطبية ومواد التعقيم، ما دفعها إلى كتابة لافتة على مدخلها تبين نفاد ما لديها، لتقليل الاختلاط، وهذا الحال ينطبق على معظم المناطق الصينية، بسبب تزايد الطلب على أدوات الوقاية بشكل كبير عقب الإعلان عن هوية الفيروس الجديد وتزايد انتشاره، في حين لم يكن منتجو هذه المواد مستعدين لإمداد السوق بما يكفي لتلبية الطلب، ما دفع الدولة إلى استيراد إمدادات طبية بقيمة 810 ملايين يوان (117 مليون دولار أميركي)، حتى مطلع فبراير الجاري، في محاولة لتخفيف النقص المحلي، وفقا لبيانات نشرتها الجمارك الصينية، لكن مع هذا فإن الأطباء وعمال النظافة الذين يعملون بشكل مستمر في المشافي والمرافق الصحية التي تواجه المرض، يتجنبون تبديل ملابسهم الواقية أكثر من مرة خلال اليوم بسبب النقص الحاصل وفق ما تؤكده مصادر التحقيق.