حرائق القمح [3-1]...تدمير آمال المزارعين السوريين في حصاد موسم وفير

19 يونيو 2019
حرائق الحقول تفقر المزارعين السوريين (فرانس برس)
+ الخط -
فقد المزارع السوري رضوان أحمد سليمان كنعو، وعائلته المكونة من 12 فردا، كل ما يملكونه بعد أن أتت النيران في 10 يونيو/حزيران الجاري، على محصول القمح قبل حصاده في أرضهم التي تبلغ مساحتها 300 هكتار (الهكتار الواحد يساوي 10.000 متر مربع) والتي تقع في قرية معشوق بمحافظة الحسكة.

يقدر كنعو خسارتهم بملايين الليرات إذ كان يتوقع جني قرابة 9 آلاف كيس (بمتوسط 100 كيلو غرام للكيس الواحد)، فيما أعلنت وزارة زراعة النظام السوري عن شراء طن القمح بـ 185 ألف ليرة سورية (360 دولارا أميركيا) للموسم الحالي.

وتعد أرض عائلة كنعو واحدة من إجمالي مساحات تصل إلى 45 ألف هكتار التهمتها الحرائق التي بدأت في 6 مايو/آيار الماضي في ناحية عين عيسى بمحافظة الرقة بحسب الدكتور فراس ممدوح الفهد أحد أعضاء المجلس المدني لمدينة الرقة (تابع لمليشيات سورية الديمقراطية).

واستمرت حرائق الحقول 
في شمال شرق سورية حتى 18 يونيو/حزيران الجاري، وفق تأكيد سلمان بارودو رئيس هيئة الاقتصاد في الإدارة الذاتية (تسيطر عليها مليشيات كردية شمال وشرقي سورية)، قائلا لـ"العربي الجديد": "إجمالي الخسائر المالية للمزارعين في مناطق الإدارة الذاتية 20 مليار ليرة سورية (حوالي 38 مليون دولار)".


تجويع المزارعين

وثقت معدة التحقيق خسائر محصول القمح والشعير التي تعرض لها 12 مزارعا من سكان قرى خرمر في تل حميس بمحافظة الحسكة، وتل أبيض، وقرية المحمودلي في محافظة الرقة شمال وسط سورية على الضفة الشمالية لنهر الفرات، وبري الشرقي التابعة إداريّاً لمحافظة حماة في منطقة السلمية، ومدينة إعزاز الواقعة شمال غربي حلب، وجبل الزاوية بمحافظة إدلب ومنهم المزارع محمد العبدالله في قرية خرمر، الذي يتحسر على محصول أرضه التي تصل مساحتها إلى 40 دونماً، (الهكتار يساوي 10 دونمات) بعد أن حولتها النيران في يوم 28 مايو/أيار الجاري إلى كومة من الرماد خلال ساعات، قائلا: "كنت أحلم بأن المحصول سيكفيني وعائلتي لمدة عامين متتاليين، كنت أتوقع حصاد 50 كيس قمح.. كلها ضاعت".



ويروي عدنان القاطوف اللاجئ في ألمانيا مأساة عائلته التي تقطن في قرية "بلدة الهبيط" أقصى جنوب غرب محافظة إدلب، بعد أن التهمت النيران 26 دونماً من الأرض التي أشرفت على زراعتها والدته الثمانينية وأخته (48 عاما)، قائلا: "التهمت النيران محصول الكمون وحبة البركة وأشجار الفستق الحلبي إلى جانب القمح، بعد تحملهم تكاليف الزراعة المقدرة بخمسة آلاف دولار، والنتيجة عائلة مشردة في البراري" كما يقول القاطوف، مضيفا أن 130 دونماً أخرى تعود ملكيتها لأعمامه وجيرانه التهمتها النيران مع عشرات المزارع الأخرى.

وخسر المزارع سالم الجاسم، محصوله من القمح والشعير المزروع على مساحة 300 دونم، ووصل الحريق إلى أراضي الجاسم وعائلته من قرية بئرعاشق الواقعة غربي منطقة تل أبيض بمحافظة الرقة في 30 مايو/أيار الماضي كما يقول، مضيفا أن 600 دونم تابعة لعائلته نجت من الحريق، لأنها كانت بعيدة عن الجزء الذي احترق من أراضيهم.



الباحث السوري عبدالكريم درويش وصف في إفادته لـ"العربي الجديد" آثار تلك الحرائق بأنها مزيد من الإفقار والتجويع وإجبار المزارعين على هجر حقولهم، وهو ما يؤكده المحامي سعد فهد الشويش مسؤول حملة "محصولنا رماد" (أطلقها مجموعة من النشطاء من أهالي منطقة الجزيرة لمحاولة مساعدة الفلاحين المتضررين)، لـ"العربي الجديد"، واصفا ما يحدث للمزارعين، بأنها حرب أخرى على الإنسان السوري، خاصة بعد رصد حكومة النظام لـ 70 مليون دولار أميركي لشراء القمح من الفلاحين بسعر 185 ليرة للكيلو و135 لكيلو الشعير مع بداية موسم الحصاد، بزيادة 10 ليرة سورية عن موسم 2018، وهو ما رفع من سقف توقعات الفلاحين بربح وفير هذا الموسم، الأمر الذي أكدته مصادر التحقيق من المزارعين، ومنهم علي النايل وأقاربه الستة الذين أغراهم موسم الأمطار بزراعة القمح في 20 مزرعة بمدينة اعزاز، ليحصلوا على أرباح وفيرة، وتعاونوا على تأمين تكاليف زراعة المحصول، كما أن جزءاً من المبلغ، دين مؤجل، يقترضه بعض المزارعين من أقاربهم المقيمين أو اللاجئين خارج سورية، حتى يحين موعد الحصاد كما يقول لـ"العربي الجديد". لكن حلمهم تبدد، بعد أن أتت الحرائق على مزارعهم، في حادثة لم يشهدوها قبلا تحت أي ظرف كما يقول.

وخاب توقع النايل في أن يعينه المحصول هو وأقاربه على تغطية نفقات المشاريع الصغيرة التي خططوا لها بالقول: "زوج أختي أبو أحمد يريد أن يرمم داره، وعمي الحاج قاسم بَترت قذيفة رجله، وهو بالكاد يستطيع الحركة، سيكون المحصول رافعة مهمة، تساعده على تأمين قوت عائلته الكبيرة وتزويج ابنيه، أما أنا فأريد تسديد ديوني الكثيرة". وهو ما حدث مع الأربعينية السورية فاطمة عدنان إبراهيم، التي خاب أملها في ترميم منزلها الذي دمره القصف في السابق، بعد خسارتها هي وإخوانها لثمن المحصول الذي التهمته النيران القادمة من قرية جعبر، إلى قريتها في مركز المحمودلي، وفق ما قالته لـ"العربي الجديد"، قائلة إنهم جمعوا كل ما يملكون وباعوا ما يمكن بيعه واستدانوا الباقي لزراعة أرضهم الخصبة، مستدركة بحسرة: "نحن فقراء وما حدا بيعرفنا، ضعفاء وبحالنا، ما آذينا أحد. ليش يحرقوا المحصول".


من يقف وراء الحرائق؟

بلغ إنتاج القمح في مناطق الإدارة الذاتية قرابة 900 ألف طن لموسم 2019، بعدما بلغ نحو 350 ألف طن في الموسم الماضي، وفق ما قاله بارودو، وبلغ إنتاج سوريا من القمح 1.2 مليون طن في عام 2018 وهو الأقل منذ 1989 وبعد أن كان 4.1 مليون طن سنويا قبل الحرب. وكانت سوريا حينئذ تصدر 1.5 مليون طن سنويا بحسب وكالة رويترز.

واستهدفت القذائف والقنابل الحارقة، المناطق السكنية ومزارع الحنطة الناضجة في كفر حلب بحسب درويش، مؤكدا أن الطائرات الروسية الداعمة لقوات الأسد ألقت بأربعة صواريخ في 28 مايو/أيار الماضي، قتلت 10 مدنيين وخلفت عددا كبيرا من الإصابات والدمار. وهو ما يؤكده القاطوف، مشيرا إلى أن الصواريخ والقنابل الحارقة والفوسفور المحرم التي تستهدف الحقول، هي التي تحرق المحصول.


ووقعت قذيفة واحدة في حقل السوري أبو وفيق شاكر، المزروع بالشعير في بلدته سهل الغاب بمحافظة حماة في 5 يونيو/حزيران الجاري، ما أدى إلى إحراقه بحسب تأكيده لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى أنه عاد إلى جبل الزاوية حيث يعيش، لزراعة أرضه المهجورة، رغم أن بلدته منطقة اشتباك وفي النهاية احترق المحصول كما يقول. فيما تجهل فاطمة سبب الحريق الذي التهم مزرعتها، لكنها تحمّل نظام الأسد، كونه السبب الأول في ما تعانيه، لكنها تعود لتقول: "الكلمة محسوبة علينا هون يكفينا خسارة بلا ما نخسر حالنا كمان"، مؤكدة أن الأهالي واجهوا النيران بأنفسهم بسبب عدم وصول سيارات الإطفاء وفق قولها.





في انتظار التعويضات

يرى المحامي سعد فهد الشويش مسؤول حملة "محصولنا رماد" بأن التعويضات مسؤولية كبيرة أوسع من أن يتم حلها عبر هيئات أهلية، فحجم هذه الكارثة الاقتصادية ممتد على مستوى التراب السوري، وفي كل يوم تضاف مناطق وخسائر جديدة.


ويقترح عبد الباري عثمان عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الديمقراطيين السوريين (تجمع سياسي يضم عدداً من الشخصيات السياسية السورية المستقلة أعلن عن تشكيله في 28 سبتمبر/أيلول 2013)، تشكيل لجنة خاصة تضم المتضررين في جميع أنحاء الجزيرة السورية تعمل على حفظ حقوقهم وتوثيقها والتحقيق في أسباب الحرائق والسعي للتأمين والتعويض وفق قوله لـ"العربي الجديد"، لكن المزارع علي النايل، لا يتوقع الحصول على المساعدة من أي جهة، فالحكومة المؤقتة كمرجعية إدارية في اعزاز ضعيفة كما يقول، ولا يكاد أثرها يظهر. أما المجالس المحلية فلا تقدم خدمات فعلية، حسب تعبيره.