انهيار الجنيه المصري... هكذا يدفع المصريون ثمن إصلاحات السيسي

13 نوفمبر 2016
+ الخط -
في كتابه "الاغتيال الاقتصادي للأمم"، يروي عالم الاقتصاد الأميركي، جون بيركنز، من واقع تجربته الذاتية، كيف يعمل صندوق النقد والبنك الدوليان، على إبقاء بلدان العالم الثالث في حالة من العبودية الدائمة لصالح الشركات الكبرى عبر إغراقها في ديون أبدية وقروض يصعب سدادها بواسطة إملاء بعض الشروط على الحكام الذين يتم رشوتهم أو دعمهم.

أهم تلك الشروط بحسب بيركنز، الذي وصف نفسه أنه "قاتل اقتصادي" عمل لحساب مؤسسات التمويل العالمي، يتمثل في تخفيض قيمة العملة، "ما يجعل موارد الدولة وأصولها متاحة للمفترسين من الشركات الكبرى بسعر بخس عن قيمتها الأصلية".

ويشبه وصف بيركنز آلية عمل المؤسسات الدولية التي تقوم على خفض قيمة العملة الوطنية، ما يحدث في مصر منذ تولي عبدالفتاح السيسي رئاسة الجمهورية، وفقاً لما يوثقه معد المادة.


البداية

في بداية حكم السيسي جيش النظام إعلامه للترويج لمشاريع من قبيل تفريعة قناة السويس الجديدة، التي استنزفت الاقتصاد المصري في ظل انهيار السياحة عقب واقعة قصف فوج السياح المكسيكيين وتفجير الطائرة الروسية فوق سيناء، تزامناً مع مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.

وأدت تلك الأحداث بحسب مراقبين وخبراء اقتصاد إلى ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمام الجنيه المصري من 7.17 جنيهات في مقابل الدولار، إلى 8.75 جنيهات في مقابل الدولار بزيادة تقارب جنيهاً ونصف الجنيه فقط، إلا أن تدمير قيمة الجنيه فعلياً، بدأ تزامناً مع بدء مفاوضات الحكومة المصرية للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي لسد الفجوة التمويلية لبعض المشاريع الاقتصادية.

ويؤكد خبراء أن طريقة إدارة النظام لأزمة انخفاض قيمة الجنبه أمام الدولار، لم تكن بالاحترافية المطلوبة، ما ساهم في التلاعب بالجنيه بالسوق السوداء، وتخفيض قيمته في البنوك (السوق الرسمية للعملات) في محاولة يائسة لإغلاق المجال أمام المضاربين والمتلاعبين بسعر الجنيه في السوق السوداء، غير أن النتيجة تظل انخفاض قيمة الجنيه وتدمير 50% من مدخرات المصريين.

مراحل خفض قيمة الجنيه

مع بداية الحديث عن مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولي، مطلع شهر مارس/آذار الماضي، أخذ سعر صرف الدولار في الصعود في تعاملات السوق الموازية، ما استدعى قيام البنك المركزي بخفض سعر الجنيه رسمياً بمقدار 112 قرشاً في يوم واحد، وهو ما أثر سلباً على السوق، إذ ارتفع سعر الدولار في السوق الموازية بنفس القيمة تقريباً، وخلال أشهر التفاوض بين الحكومة وصندوق النقد، اتخذت الحكومة المصرية إجراءات رفعت سعر الدولار لمستويات تاريخية، وتبدو تلك الإجراءات في تصريحات محافظ البنك المركزي لعدد من الصحف المصرية أن الحفاظ على سعر غير حقيقي للجنيه كان خطأً، وأن انخفاض سعر صرف الجنيه له إيجابيات على الاقتصاد، قائلاً "محاولة الحفاظ على سعر الجنيه مرتفعاً في مقابل الدولار كان خطأ فادحاً وكلف الدولة مليارات الدولارات في السنوات الخمس الماضية، وأسعار الصرف غير الحقيقية تعني تقديم دعم بشكل غير مباشر لكل إنسان يعيش في مصر بمن فيهم الأغنياء"، متوعداً باتخاذ القرارات الصحيحة من وجهة نظره وتحمل نتائجها، وهو ما أدى لارتفاع أسعار صرف الدولار في مقابل الجنيه.

وبحسب مصادر تحدثت لصحف محلية مصرية، فإن إحدى الجهات السيادية سحبت كميات ضخمة من الدولار من شركات الصرافة وغيرها من منافذ بيع الدولار، عبر عدد من الشركات التي تملكها بشكل جماعي ومتزامن ما أحدث ضغطاً على المعروض بشكل ملحوظ وتسبب في ارتفاع كبير في الأسعار.

عقب هذا الإجراء، دعا رئيس البرلمان علي عبدالعال لإصدار قانون بإلغاء شركات الصرافة نهائياً واصفاً إياها بالسرطان في جسد الاقتصاد المصري، ما انعكس على ارتفاع جديد لأسعار الدولار، فضلاً عن كارثية الاقتراح نفسه في حالة تطبيقه وفق أراء مراقبين ومتخصصين اقتصاديين.

بسبب تلك الإجراءات والتصريحات المترابطة والمتزامنة، ارتفع سعر صرف الدولار وتخطى حاجز 13 جنيهاً للدولار في 26 يوليو/تموز، تزامناً مع انتهاء المفاوضات مع بعثة الصندوق، والاتفاق على حصول مصر على قرض بقيمة 12 مليار دولار، أي أن سعر الدولار مقابل الجنيه ارتفع خلال أكثر من عام ونصف قرابة جنيه ونصف الجنيه فقط، بينما ارتفع سعر الدولار أكثر من 5 جنيهات في ما يقرب من 4 أشهر(فترة المفاوضات مع البنك الدولية).


دفع الثمن


في بحثه الذي أعده لنيل درجة الماجستير من كلية الحرب في أميركا عام 2006، أكد عبدالفتاح السيسي ضرورة دفع المواطنين ثمن ما سماه بـ"الإصلاح الاقتصادي"، ووفقاً لخبراء فإن قرارات السيسي التي أصدرها مع بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تتوافق مع هذا الطرح، إذ تُحقق رغبات صندوق النقد الدولي التي التقت مع ما يؤمن به السيسي، من تحمل المواطنين ثمن الإصلاح، عبر تعويم الجنيه المصري الذي اشترطته مصر على نفسها ورحب به الصندوق بالطبع، وأدارته الدولة بكامل أجهزتها، إذ جمعت الدولة أكبر قدر من الدولار من السوق السوداء، ما جعل السعر يتغير حتى وصل سعر الدولار إلى 18 جنيهاً في الأول من الشهر الجاري، ثم أطلقت الدولة كتائبها الإلكترونية وبعض المواقع والمؤسسات الصحفية لنشر شائعات عن هبوط سعر الدولار في السوق السوداء، عبر وسوم مختلفة كان من بينها ما استخدمه موقع "اليوم السابع" أقوى الأذرع الإعلامية للنظام وأجهزته الأمنية (#الحق_اصرفه_قبل_ماتلبسه)، ما أدى إلى اندفاع كثيرين نحو بيع ما لديهم من دولارات، وبعد أن تم جمع حصيلة كبيرة من الدولار جاءت ضربة البنك المركزي، صباح اليوم التالي مباشرة بقرار تعويم الجنيه المصري، ليُسجل الدولار سعر 14 جنيهاً في اللحظات الأولى في البنوك، وهو ما رآه إعلام النظام إنجازاً اقتصادياً، إذ إن هذا السعر يقل عن سعر اليوم السابق بمقدار 4 جنيهات، وهي الخديعة الكاملة، إذ إن سعر الدولار في حقيقته قد ارتفع من 8.8 جنيهات إلى 14 جنيهاً، ثم إلى 15.5 جنيهاً خلال أول مزاد بالبنك المركزي عقب قرار التعويم، وبذلك تم "الخسف بالعملة المصرية وثروات الشعب وأصوله" وفق ما أوضحه جون بيركنز في كتابه.


الأثر التضخمي

يرى عمرو عدلي الخبير الاقتصادي والباحث بمركز كارنيغي للدراسات، أن الأثر التضخمي لقرض صندوق النقد مؤثر على شريحة كبيرة من المواطنين، بسبب خفض الدعم ورفع أسعار الخدمات الأساسية مثل الكهرباء مع تخفيض قيمة الجنيه ما أدى إلى ارتفاع كبير للأسعار، موضحاً أن الأمل مع تدفق دفعات القرض يتمثل في أن يحدث استقراراً لمؤشرات الاقتصاد الكلي ما يزيل جزءاً من عبء الإصلاح الاقتصادي عن المواطنين.

ويرى أسامة دياب، الباحث الاقتصادي بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن ارتفاع سعر الدولار ناتج عن استنزاف الموارد الدولارية الشحيحة في مشاريع مكلفة، لكنها ضعيفة العائد خصوصاً على المدى القصير، وتدهور القطاع السياحي نتيجة للوضع الأمني، فضلاً عن السياسات المصرفية التي لا تشجع على دخول تحويلات المصريين بالخارج إلى القطاع المصرفي، إذ يتم تداولها بشكل أساسي في دوائر بعيدة عن القطاع المصرفي أو ما يسمى بالسوق السوداء أو الموازية.

وأشار دياب إلى أن تأثير ارتفاع سعر الدولار يظهر في زيادة التضخم، وانهيار القدرات الشرائية لدى الطبقات الأفقر والشريحة الأدنى من الطبقة المتوسطة التي تعتمد على دخول منخفضة بالجنيه، ما يعني سقوط المزيد من المصريين تحت خط الفقر.