كاد السوداني إبراهيم عثمان أن يرقص فرحاً بعد وصول رسالة قصيرة إلى هاتفه، تؤكد حصوله على موعد مع أحد مراكز الاستقبال الأوّلي لطالبي اللجوء (SPADA)، والتي تديرها جمعيات لحساب الدولة الفرنسية، وتُعنى بتقديم معلومات عن اللجوء وتوفير الوثائق الضرورية لذلك، كما تساعد طالب اللجوء في مساره من خلال تنظيم موعد مع المحافظة، خاصة من لم يَحْظ بالإقامة في مركز الاستقبال.
انتظر اللاجئ القادم من دارفور وقتا طويلا قبل نيل الموعد، في تلخيص لمعاناة أقرانه من الباحثين عن اللجوء في فرنسا، وخاصة في باريس ونواحيها، "إذ إن الحصول على الموعد قد تطلَّب أسبوعاً كاملاً من الاتصالات وأعصاباً فولاذية"، كما يقول عثمان، مضيفا: "رفيقي في السفر، جورج آبي، كونغولي، اضطر للتوجه إلى مدينة أميان، لسهولة الأوضاع هناك، ولكني قررت البقاء هنا، لأني أحلم بالدراسة في السوربون".
اقــرأ أيضاً
تكدس طالبي اللجوء
أمام تكدس المهاجرين وطالبي اللجوء أمام مكاتب الاستقبال الأولي، وتجنباً لأشكال التوتر، سواء بين المهاجرين أنفسهم أو بينهم وبين الموظفين، قرر المكتب الوطني للهجرة والاندماج، ابتداءً من 2 مايو/ أيار 2018، في منطقة إيل دو فرانس (باريس وضواحيها) فقط، فتح منصّة هاتفية من أجل الحصول على موعد مع مركز الاستقبال الأولي.
"لكن ما أراد به المكتب الوطني للهجرة والاندماج تسهيل عملية التواصل مع طالبي اللجوء، أصبح كابوساً حقيقيا"، كما يوضح ناصر الإدريسي، المسؤول في "جمعية العمال المغاربيين"، والتي تفتح أبوابها في باريس كل يوم اثنين لمساعدة طالبي اللجوء ومرافقتهم في مختلف الإجراءات.
ما يقوله الإدريسي تؤكده عشر منظمات وجمعيات، منها "رابطة حقوق الإنسان" ولاسيماد وجيستي والإغاثة الكاثوليكية، في بيان صدر في 7 فبراير/ شباط 2019، بعنوان "نظام اللجوء لا يردّ"، ووثقت تلك المنظمات الصعوبة الكبيرة لأخذ موعد مع "مركز الاستقبال الأوّلي" إذ قد تستغرق المكالمة 45 دقيقة وتكلف اللاجئ ثمنا مرتفعا، بسبب وضعيته المادية المزرية وفي النهاية لا يحصل على الموعد، وهو ما يقتضى مهاتفة الرقم مرات عديدة، بل عشرات المرات، وفق ما وثقه معد التحقيق الذي حاول الاتصال مرات عديدة بالرقم المخصص لهذه الخدمة، وهو (0142500900)، وكان وقت الانتظار طويلا، إذ فور المكالمة يستقبلك صوت تلقائي، لكنه يحذّرك بأن فترة الانتظار قد تصل إلى 45 دقيقة، وفق ما تكرر أمام المهاجر وطالب اللجوء السوداني حسن أيوب، الذي وصل إلى باريس قبل 6 أشهر، كما يقول، بينما يقف إلى جوار معد التحقيق أثناء الاتصال قائلا "لا بأس، إنها الضرورة".
وأثناء فترة الانتظار، تتوقف المكالمة، بصورة تلقائية، وهكذا يجب معاودة الاتصال. أربع مرات، ودائما يدعونك إلى الصبر، فترة الانتظار قد تصل إلى 45 دقيقة، ثم لا شيء.
محاولات اتصال عديدة، وفي المرة الأولى، انتظر أيوب 23 دقيقة، ثم انقطع الخط، وعاود الاتصال من جديد، وكان حظه شبيها بأول مرة، ما يقرب من ثلاثين دقيقة، وغاب الاتصال، ولم يردّ عليه أحد. وعاود الاتصال في اليوم التالي، ولم يسمع صوت الموظف، إلا بعد ثلاث محاولات، تطلبت ما يقرب من ساعة ونصف"، وليس أيوب وحده الذي عانى من هذه المشكلة، إذ تكرر الأمر مع عيساتا كوليبالي المالي، والذي وصل قادما من ليبيا، قبل سنتين، كما يضيف: "أسبوع كامل، وأنا أهاتف، لا شيء. وأخيرا، قررتُ مغادرة باريس إلى مدينة أميان، فهذه الخدمة الهاتفية غير موجودة، والظروف أسهل".
"صحيح أن الأمور أسهل، على الأقل، من هذه الناحية، وفي هذه المرحلة، أما قبول اللجوء فتلك قضية أخرى"، كما يشرح ناصر الإدريسي، ويضيف: "تكدس المهاجرون في باريس، حيث شهدت، ولا تزال، إقامة معسكرات وخيام كثيرة، وهو ما يعد السبب الحقيقي الذي دعا السلطات لإنشاء هذه الخدمة، والتي أصبحت كابوسا، ولا شك أن الظروف في المقاطعات والمدن الأخرى أسهل، نسبيا، إذ لا حاجة لهذا الرقم الهاتفي. ولكن المهاجرين ليسوا كلهم قادرين على مغادرة باريس".
وليس الحصول على هذا الموعد، وهو ضروري، قبل أي شيء، بالنسبة لطالب اللجوء، ما يتطلب صبراً فقط، بل وإمكانات مالية. فالعراقي عبد المجيد رفاعي، يقول إن حصوله على موعد، بعد عشرات من المحاولات وحرق الأعصاب "تطلَّب 250 يورو. ساعدني فيها بعض المحسنين في المساجد. فقد وصلت إلى باريس قبل تسعة أشهر، وليس في جيبي سوى 7 يورو".
أمام صعوبة الأمر، التجأ كثيرون إلى جمعيات إنسانية، ساعدتهم على الحصول على موعد. ويحكي الكونغولي جان ببير ديزيري، بينما يستعرض ملفا يتضمن قصاصات صحف وصُوَر تعذيب، أن كثيرين من أقربائه كانوا يتصلون في الوقت نفسه من أجله، حتى نجح في ذلك ابن أخته، فحصل له على موعد، وهو الآن في الطريق إلى الحصول على اللجوء.
اقــرأ أيضاً
ثني المهاجرين عن القدوم
يتهم ناشطون بمساعدة اللاجئين السلطات الفرنسية بقصد ثني المهاجرين عن القدوم إلى فرنسا، وهو ما يؤكده رافائيل فْليشمان، المسؤول في جمعية "لاسيماد"، التي تعنى بمساعدة طالبي اللجوء، والذين وصل عددهم، وفق إحصاءات "المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية"، إلى 41 ألف شخص في الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة، أي بمعدل 10 آلاف شخص في الشهر تقريبا.
واستقبلت باريس وضواحيها 42 في المائة من طالبي اللجوء في البلد عام 2017، بينما استقبلت 49 في المائة من طالبي اللجوء سنة 2018، وبلغت المعاملات التي أنجزتها المنصة الهاتفية، خلال الفترة ما بين مايو/ أيار وحتى ديسمبر/ كانون الأول الماضي، 76867 مكالمة، وسمح بتوجيه 58049 شخصا، وفق الإحصاءات التي كشف عنها "المكتب الوطني للهجرة والاندماج"، والذي يقول إن فترة الانتظار هي 24 دقيقة في المتوسط، وإن معالجة الاتصال تستغرق 3 دقائق. ولكن جمعية لاسيماد تكشف أن مجموع الاتصالات ما بين مايو وديسمبر 2018، وصل إلى 571 ألفاً و115 مكالمة، أي بمعدل 3282 يوميا (من الاثنين إلى الجمعة)، وقام موظفو المنصة العشرة بمعالجة 61957 طلبا، أي 10 في المائة، ومنحوا مواعيد لـ46139 شخصا، بمعدل 8 في المائة. وحسب هذه الإحصاءات، ترى جمعية لاسيماد أن "المدة الضرورية لتسجيل طلب لجوء، ليست 3 أيام كما يدّعي "المكتب الوطني للهجرة والاندماج"، وإنما 13 يوماً في المتوسط، بل وصلت إلى 20 يوما في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول 2018".
"ليس أمام اللاجئين، الموجودين في باريس وضواحيها، إلا هذه الخدمة، وما عليهم سوى المثابرة في مهاتفة الرقم المعروف مرات عديدة، بل وأياماً، والأمر ليس مستغرَباً مع مصالح وزارة الداخلية، التي تعترف بأنها تتلقى كمّا هائلا من الملفات وأنه يجب انتظار وقت طويل لدراستها"، كما يقول ناصر الإدريسي، "وليس اللاجئون وحدهم الضحية، فحتى من يهاتف المكتب الوطني للهجرة والاندماج، بخصوص (التجمع العائلي)، ومن يُهاتف المحافظة من أجل أخذ موعد لاستبدال بطاقة إقامة، يتعب في الحصول على موعد"، بالمختصر: "الإدارة الفرنسية رتيبة، ولا يعرف إيقاعها أحدٌ".
بدائل أخرى
تقدمت جمعيات جيستي ورابطة حقوق الإنسان ولاسيماد والإغاثة الكاثوليكية، إضافة إلى عدد من الأفراد بشكوى في ما يخص الشروط الصعبة للوصول إلى هذه المنصة الهاتفية الجهوية، كما يؤكد فليشمان، وجاء حكم المحكمة الإدارية رقم 1902037/9 لصالحها بتاريخ 13 فبراير/ شباط 2019، وفي ثناياه: انتقاد لهذه الوضعية، التي اعترف وزير الداخلية نفسه بها، والطلب من "المركز الوطني للهجرة والاندماج بتشغيل "عونَين" إضافيين في الاستقبال في هذه المنصة الهاتفية.
على الرغم من أن المحكمة ألزمت "المكتب الوطني للهجرة والاندماج" بتوظيف عونين إضافيَيْن من أجل استقبال المكالمات، إلّا أن الكثيرين يشكون من فترة الانتظار الطويلة، والتي تأكد معد التحقيق منها عبر مكالمة استغرق وقت الانتظار فيها 13 دقيقة، ليجيء الرد بأن مواعيد اليوم قد نَفَدَت وعليك معاودة الاتصال غداً، وفي اليوم التالي، بعد انتظار 45 دقيقة في المكالمة الأولى، طلب منه إعادة الكرة، وأخيراً، في المرة الثانية، تحدث مع موظف. وهو ما يرد عليه مسؤول العلاقات مع الصحافة في "المكتب الوطني للهجرة والاندماج"، جان بيير لوغران، قائلا إن "الانتظار يمكن تفسيره بكثرة الطلبات. وإن فرنسا تعرف تدفقا كبيرا من هؤلاء المهاجرين، حتى الذين لا يحق لهم التقدم بطلب اللجوء، كالمُدَبْلنين". والمقصود بهؤلاء طالبو اللجوء الذين تُطبَّق عليهم إجراءات قانون 604/2013 للاتحاد الأوروبي الصادر بتاريخ 26 يونيو/ حزيران، وهو ما يفرض على طالب اللجوء أن يتقدم بطلبه في أول بلد أوروبي ولج إليه.
لكن هل ثمة بدائل لهذه الوضعية المهينة والحاطة من كرامة البشر، كما تؤكد منظمات إنسانية عديدة؟ يجيب المحامي آصف عارف، الذي يعمل في محكمة باريس، وله مؤلفات تتطرق للضواحي والإسلاموفوبيا قائلا "يجب على طالب اللجوء أن يفهم أن كل شيء يجري حتى لا يبقى في فرنسا، وحتى لا يتصور آخرون يسعون للجوء أن الحصول عليه من فرنسا سهل، والرئيس الفرنسي نفسه يعترف بأن فرنسا غير قادرة على استقبال طلبات كثيرة، ولهذا السبب يضاعف من طلباته لبلدان شرق أوروبا بتقاسم الضيافة والأعباء، لكن من دون طائل".
انتظر اللاجئ القادم من دارفور وقتا طويلا قبل نيل الموعد، في تلخيص لمعاناة أقرانه من الباحثين عن اللجوء في فرنسا، وخاصة في باريس ونواحيها، "إذ إن الحصول على الموعد قد تطلَّب أسبوعاً كاملاً من الاتصالات وأعصاباً فولاذية"، كما يقول عثمان، مضيفا: "رفيقي في السفر، جورج آبي، كونغولي، اضطر للتوجه إلى مدينة أميان، لسهولة الأوضاع هناك، ولكني قررت البقاء هنا، لأني أحلم بالدراسة في السوربون".
تكدس طالبي اللجوء
أمام تكدس المهاجرين وطالبي اللجوء أمام مكاتب الاستقبال الأولي، وتجنباً لأشكال التوتر، سواء بين المهاجرين أنفسهم أو بينهم وبين الموظفين، قرر المكتب الوطني للهجرة والاندماج، ابتداءً من 2 مايو/ أيار 2018، في منطقة إيل دو فرانس (باريس وضواحيها) فقط، فتح منصّة هاتفية من أجل الحصول على موعد مع مركز الاستقبال الأولي.
"لكن ما أراد به المكتب الوطني للهجرة والاندماج تسهيل عملية التواصل مع طالبي اللجوء، أصبح كابوساً حقيقيا"، كما يوضح ناصر الإدريسي، المسؤول في "جمعية العمال المغاربيين"، والتي تفتح أبوابها في باريس كل يوم اثنين لمساعدة طالبي اللجوء ومرافقتهم في مختلف الإجراءات.
ما يقوله الإدريسي تؤكده عشر منظمات وجمعيات، منها "رابطة حقوق الإنسان" ولاسيماد وجيستي والإغاثة الكاثوليكية، في بيان صدر في 7 فبراير/ شباط 2019، بعنوان "نظام اللجوء لا يردّ"، ووثقت تلك المنظمات الصعوبة الكبيرة لأخذ موعد مع "مركز الاستقبال الأوّلي" إذ قد تستغرق المكالمة 45 دقيقة وتكلف اللاجئ ثمنا مرتفعا، بسبب وضعيته المادية المزرية وفي النهاية لا يحصل على الموعد، وهو ما يقتضى مهاتفة الرقم مرات عديدة، بل عشرات المرات، وفق ما وثقه معد التحقيق الذي حاول الاتصال مرات عديدة بالرقم المخصص لهذه الخدمة، وهو (0142500900)، وكان وقت الانتظار طويلا، إذ فور المكالمة يستقبلك صوت تلقائي، لكنه يحذّرك بأن فترة الانتظار قد تصل إلى 45 دقيقة، وفق ما تكرر أمام المهاجر وطالب اللجوء السوداني حسن أيوب، الذي وصل إلى باريس قبل 6 أشهر، كما يقول، بينما يقف إلى جوار معد التحقيق أثناء الاتصال قائلا "لا بأس، إنها الضرورة".
وأثناء فترة الانتظار، تتوقف المكالمة، بصورة تلقائية، وهكذا يجب معاودة الاتصال. أربع مرات، ودائما يدعونك إلى الصبر، فترة الانتظار قد تصل إلى 45 دقيقة، ثم لا شيء.
محاولات اتصال عديدة، وفي المرة الأولى، انتظر أيوب 23 دقيقة، ثم انقطع الخط، وعاود الاتصال من جديد، وكان حظه شبيها بأول مرة، ما يقرب من ثلاثين دقيقة، وغاب الاتصال، ولم يردّ عليه أحد. وعاود الاتصال في اليوم التالي، ولم يسمع صوت الموظف، إلا بعد ثلاث محاولات، تطلبت ما يقرب من ساعة ونصف"، وليس أيوب وحده الذي عانى من هذه المشكلة، إذ تكرر الأمر مع عيساتا كوليبالي المالي، والذي وصل قادما من ليبيا، قبل سنتين، كما يضيف: "أسبوع كامل، وأنا أهاتف، لا شيء. وأخيرا، قررتُ مغادرة باريس إلى مدينة أميان، فهذه الخدمة الهاتفية غير موجودة، والظروف أسهل".
"صحيح أن الأمور أسهل، على الأقل، من هذه الناحية، وفي هذه المرحلة، أما قبول اللجوء فتلك قضية أخرى"، كما يشرح ناصر الإدريسي، ويضيف: "تكدس المهاجرون في باريس، حيث شهدت، ولا تزال، إقامة معسكرات وخيام كثيرة، وهو ما يعد السبب الحقيقي الذي دعا السلطات لإنشاء هذه الخدمة، والتي أصبحت كابوسا، ولا شك أن الظروف في المقاطعات والمدن الأخرى أسهل، نسبيا، إذ لا حاجة لهذا الرقم الهاتفي. ولكن المهاجرين ليسوا كلهم قادرين على مغادرة باريس".
وليس الحصول على هذا الموعد، وهو ضروري، قبل أي شيء، بالنسبة لطالب اللجوء، ما يتطلب صبراً فقط، بل وإمكانات مالية. فالعراقي عبد المجيد رفاعي، يقول إن حصوله على موعد، بعد عشرات من المحاولات وحرق الأعصاب "تطلَّب 250 يورو. ساعدني فيها بعض المحسنين في المساجد. فقد وصلت إلى باريس قبل تسعة أشهر، وليس في جيبي سوى 7 يورو".
أمام صعوبة الأمر، التجأ كثيرون إلى جمعيات إنسانية، ساعدتهم على الحصول على موعد. ويحكي الكونغولي جان ببير ديزيري، بينما يستعرض ملفا يتضمن قصاصات صحف وصُوَر تعذيب، أن كثيرين من أقربائه كانوا يتصلون في الوقت نفسه من أجله، حتى نجح في ذلك ابن أخته، فحصل له على موعد، وهو الآن في الطريق إلى الحصول على اللجوء.
ثني المهاجرين عن القدوم
يتهم ناشطون بمساعدة اللاجئين السلطات الفرنسية بقصد ثني المهاجرين عن القدوم إلى فرنسا، وهو ما يؤكده رافائيل فْليشمان، المسؤول في جمعية "لاسيماد"، التي تعنى بمساعدة طالبي اللجوء، والذين وصل عددهم، وفق إحصاءات "المكتب الفرنسي لحماية اللاجئين وعديمي الجنسية"، إلى 41 ألف شخص في الأشهر الأربعة الأولى من هذه السنة، أي بمعدل 10 آلاف شخص في الشهر تقريبا.
واستقبلت باريس وضواحيها 42 في المائة من طالبي اللجوء في البلد عام 2017، بينما استقبلت 49 في المائة من طالبي اللجوء سنة 2018، وبلغت المعاملات التي أنجزتها المنصة الهاتفية، خلال الفترة ما بين مايو/ أيار وحتى ديسمبر/ كانون الأول الماضي، 76867 مكالمة، وسمح بتوجيه 58049 شخصا، وفق الإحصاءات التي كشف عنها "المكتب الوطني للهجرة والاندماج"، والذي يقول إن فترة الانتظار هي 24 دقيقة في المتوسط، وإن معالجة الاتصال تستغرق 3 دقائق. ولكن جمعية لاسيماد تكشف أن مجموع الاتصالات ما بين مايو وديسمبر 2018، وصل إلى 571 ألفاً و115 مكالمة، أي بمعدل 3282 يوميا (من الاثنين إلى الجمعة)، وقام موظفو المنصة العشرة بمعالجة 61957 طلبا، أي 10 في المائة، ومنحوا مواعيد لـ46139 شخصا، بمعدل 8 في المائة. وحسب هذه الإحصاءات، ترى جمعية لاسيماد أن "المدة الضرورية لتسجيل طلب لجوء، ليست 3 أيام كما يدّعي "المكتب الوطني للهجرة والاندماج"، وإنما 13 يوماً في المتوسط، بل وصلت إلى 20 يوما في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول 2018".
"ليس أمام اللاجئين، الموجودين في باريس وضواحيها، إلا هذه الخدمة، وما عليهم سوى المثابرة في مهاتفة الرقم المعروف مرات عديدة، بل وأياماً، والأمر ليس مستغرَباً مع مصالح وزارة الداخلية، التي تعترف بأنها تتلقى كمّا هائلا من الملفات وأنه يجب انتظار وقت طويل لدراستها"، كما يقول ناصر الإدريسي، "وليس اللاجئون وحدهم الضحية، فحتى من يهاتف المكتب الوطني للهجرة والاندماج، بخصوص (التجمع العائلي)، ومن يُهاتف المحافظة من أجل أخذ موعد لاستبدال بطاقة إقامة، يتعب في الحصول على موعد"، بالمختصر: "الإدارة الفرنسية رتيبة، ولا يعرف إيقاعها أحدٌ".
بدائل أخرى
تقدمت جمعيات جيستي ورابطة حقوق الإنسان ولاسيماد والإغاثة الكاثوليكية، إضافة إلى عدد من الأفراد بشكوى في ما يخص الشروط الصعبة للوصول إلى هذه المنصة الهاتفية الجهوية، كما يؤكد فليشمان، وجاء حكم المحكمة الإدارية رقم 1902037/9 لصالحها بتاريخ 13 فبراير/ شباط 2019، وفي ثناياه: انتقاد لهذه الوضعية، التي اعترف وزير الداخلية نفسه بها، والطلب من "المركز الوطني للهجرة والاندماج بتشغيل "عونَين" إضافيين في الاستقبال في هذه المنصة الهاتفية.
على الرغم من أن المحكمة ألزمت "المكتب الوطني للهجرة والاندماج" بتوظيف عونين إضافيَيْن من أجل استقبال المكالمات، إلّا أن الكثيرين يشكون من فترة الانتظار الطويلة، والتي تأكد معد التحقيق منها عبر مكالمة استغرق وقت الانتظار فيها 13 دقيقة، ليجيء الرد بأن مواعيد اليوم قد نَفَدَت وعليك معاودة الاتصال غداً، وفي اليوم التالي، بعد انتظار 45 دقيقة في المكالمة الأولى، طلب منه إعادة الكرة، وأخيراً، في المرة الثانية، تحدث مع موظف. وهو ما يرد عليه مسؤول العلاقات مع الصحافة في "المكتب الوطني للهجرة والاندماج"، جان بيير لوغران، قائلا إن "الانتظار يمكن تفسيره بكثرة الطلبات. وإن فرنسا تعرف تدفقا كبيرا من هؤلاء المهاجرين، حتى الذين لا يحق لهم التقدم بطلب اللجوء، كالمُدَبْلنين". والمقصود بهؤلاء طالبو اللجوء الذين تُطبَّق عليهم إجراءات قانون 604/2013 للاتحاد الأوروبي الصادر بتاريخ 26 يونيو/ حزيران، وهو ما يفرض على طالب اللجوء أن يتقدم بطلبه في أول بلد أوروبي ولج إليه.
لكن هل ثمة بدائل لهذه الوضعية المهينة والحاطة من كرامة البشر، كما تؤكد منظمات إنسانية عديدة؟ يجيب المحامي آصف عارف، الذي يعمل في محكمة باريس، وله مؤلفات تتطرق للضواحي والإسلاموفوبيا قائلا "يجب على طالب اللجوء أن يفهم أن كل شيء يجري حتى لا يبقى في فرنسا، وحتى لا يتصور آخرون يسعون للجوء أن الحصول عليه من فرنسا سهل، والرئيس الفرنسي نفسه يعترف بأن فرنسا غير قادرة على استقبال طلبات كثيرة، ولهذا السبب يضاعف من طلباته لبلدان شرق أوروبا بتقاسم الضيافة والأعباء، لكن من دون طائل".