العرب المنسيون [1/2]... ملايين الإثيوبيين والإريتريين متمسكون بـ "لغة الضاد"

17 مايو 2017
قبائل بني شنقول يتحدثون العربية (أنور إبراهيم/العربي الجديد)
+ الخط -
يصف أنور إبراهيم، مدير القسم العربي بالتلفزيون والإذاعة الإثيوبية وضع اللغة العربية في بلاده بـ"الممتاز" مستدلاً على ذلك بإصدار مؤسسة الصحافة الإثيوبية، جريدة العلم الأسبوعية الناطقة باللغة العربية قبل خمسين عاماً في عهد الإمبراطور هيلاسيلاسي، بينما تم افتتاح القسم العربي بالتفزيون الإثيوبي في عام 2008 بقرار من رئيس الوزراء الراحل، ملس زيناوي، كما تم دمج الإذاعة والتلفزيون باللغة العربية معاً فى العام 2009.

ويؤكد إبراهيم، أن العربية تعد أكثر اللغات الأجنبية انتشاراً وسط غير المتعلمين في إثيوبيا، قائلاً "أينما ذهبت في العاصمة أديس أبابا والأسواق والمؤسسات والمرافق السياحية، ستجد من يتحدث معك باللغة العربية بسبب العلاقات الإثيويبة السودانية الخاصة، منذ أيام الحروب والصراعات الداخلية في إثيوبيا، والتي أدت إلى نزوح إثيوبيين من أجل العمل في السودان أو العبور ناحية دول ثانية للهجرة إليها، بالإضافة إلى هجرة العمالة الإثيوبية نحو الخليج ودول عربية أخرى بحثاً عن فرص عمل في الوقت الذي توسعت الاستثمارات العربية الضخمة في إثوبيا ما ساهم في دعم توسع اللغة العربية وانتشارها".

وساهمت المدارس الإسلامية المنتشرة في إثيوبيا في توسيع انتشار اللغة العربية بين السكان، وتحديداً في مناطق وسط وشرق إثيوبيا، بالإضافة إلى العاصمة بحسب ما يضيفه الأكاديمي والباحث الإثيوبي في جامعة أفريقيا العالمية، الدكتور علي محمود، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد".

وتعد الأمهرية اللغة الرسمية في إثيوبيا بحسب ما نص دستور البلاد، كما يقول علي محمود، مشيراً إلى التطور الإيجابي لوضع اللغة العربية خلال آخر عشرة أعوام بعد تدريس اللغة العربية في الجامعات الإثيوبية وعلى رأسها جامعة أديس أبابا وجامعات جيجقا وسمرا وأصوصا وولو وجيما والتي يوجد بها أقسام للغة العربية تمنح درجة البكالرويوس لخريجيها.


كيف دخلت العربية إلى إثيوبيا؟

دخلت العربية إلى إثيوبيا، منذ فترة بعيدة، إذ إن الجوار الجغرافي بين شبه الجزيرة العربية والحبشة أدى إلى قيام علاقات متعددة بين الجانبين، فيما انتشرت اللغة العربية بعد التوسع الإسلامي الكبير في الحبشة في القرنين العاشر والثاني عشر ميلاديين بعد ظهور الممالك الإسلامية في الحبشة وفق ما جاء في ورقة "اللغة العربية في إثيوبيا.. خلفيات الانتشار وعوامل الانحسار" للدكتور عمر السيد عبد الفتاح، الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية.

وتوسعت العربية في إثيوبيا إلى درجة تأليف عدد من الكتاب لنتاجهم الثقافي بها ومن أشهر المؤلفات المعنية بتعليم العربية بطريقة مبسطة كتاب "المقاصد الوفية بشرح المقدمة الأجرومية" للشيخ محمد بن أمان الحبشي الأزهري المتدوال في كل أنحاء العالم الإسلامي.

بينما يرى المؤرخ الإثيوبي مهدر تاريكو، أن المعرفة الإثيوبية باللغة العربية وثيقة الصلة بالمسيحية إذ اعتمدت الكنيسة الإثيوبية الشرقية على الكتب القادمة من مصر وبلاد الشام بالعربية والتي عمد مترجمون إثيوبيون على نقلها إلى الأمهرية لتحقيق مزيد من الانتشار لها.

مخطوطات عربية في إثيوبيا (أنور إبراهيم/العربي الجديد)


عربية إثيوبيا

تتكون اللغة العربية المستخدمة في إثيوبيا من خليط بين لهجتي السودان واليمن كما تأثرت بعض الشيء باللهجات المحلية وفق ما أوضحه الدكتورعمرعبدالفتاح، أستاذ اللغة الأمهرية في جامعة القاهرة والذي أشار إلى أن سيطرة العرب قديماً على التجارة في إثيوبيا أدت إلى انتقال كلمات كثيرة من اللغة العربية إلى اللهجات المحلية.

وتعيش العديد من القبائل العربية في إثيوبيا، أشهرها قبيلة الجبرتة المنتشرة في اليمن وإريتريا والصومال ومنهم المؤرخ المصري الشهير، الجبرتي، وقبائل أراب قوبا (من العرب) والتي إن كانت فقدت لغتها العربية بمكوثها في مناطق وسط إثيوبيا فإنها لم تفقد الثقافة العربية كما قال الباحث الإثيوبي علي محمود، مضيفاً تتواجد كذلك القبائل الصومالية في إقليم أوغادين شرقاً وقبائل بني شنقول غرباً الممتدة إلى السودان ويضاف إليهم أبناء مدينة هرر في شرق إثيوبيا، والذين جاء أجدادهم إلى هرر أيام الحكم العثماني ويعرفون باسم أتراك هرر وأكثرهم يتكلم اللغة العربية وبعضهم من أصول غير تركية بالإضافة إلى قبائل العفر وبعض الأورومو ممن يعتبرون أنفسهم من العرب، إذ يعتبر كثيرون من الإثوبيين والإريتريين أن لهم نسباً علوياً أو أموياً باعتبار أن منطقة الحبشة كانت منطقة هجرة لمعارضي حكم بني أمية أولاً ثم حكم بني العباس بحسب ما قاله عبدالله إسماعيل، مدير مركز دراسات القرن الأفريقي.


عرب إريتريا

منذ دخول المسيحية إلى إريتريا كانت الطقوس الدينية في الكنائس تؤدى باللغة الجئزية وهي السبئية الحميرية القديمة وفي مرحلة لاحقة بدأ القساوسة المصريون يؤدونها باللغة العربية وعقب دخول الدين الإسلامي إلى إريتريا ارتبط المسلمون الإريتريون باللغة العربية بشكل روحي بالإضافة إلى الدراسة في الخلاوي القرآنية التي تتم باللغة العربية منذ دخول الإسلام في إريتريا وحتى اليوم، وفق ما قاله المثقف الإريتري الراحل محمد سعيد ناود، المؤسس والقائد في حركة تحرير إريتريا في ورقة بحثية منشورة في عام 2010 بعنوان "تاريخ اللغة العربية فى إريتريا".

وتتواجد في إريتريا وسائل إعلامية ناطقة بالعربية على رأسها الركن العربي من إذاعة صوت الجماهير والقسم العربي في التلفزيون الإريتري، والنسخة العربية اليومية من صحيفة إريتريا الحديثة التي تصدر خمس مرات أسبوعياً من وزارة الإعلام الإريترية، وصحيفة النبض العربية التي يصدرها الاتحاد الوطني للشبيبة والطلبة الإريتريين، وتعد قبائل الرشايدة أكبر كتلة متحدثة بالعربية في إريتريا، إذ يقدر عددهم بـ 100 ألف نسمة من بين عدد السكان البالغ 4.79 ملايين نسمة وفقاً للإحصاء الحكومي في عام 2011، ويؤكد عبدالله إسماعيل مدير مركز دراسات القرن الأفريقي أن الرشايدة يعدون آخر القادمين من جزيرة العرب إلى إريتريا، حيث فروا من هناك ودخلوا إلى إريتريا عبر الأراضي السودانية بعد أن ركبوا البحر هرباً من ثأر قبلي قبل مائتي عام.

بينما يرى طالب الدكتوراه والباحث الإريتري، عبدالقادر محمد علي، أن اللغة العربية تتراجع في إريتريا على المستوى التعليمي والثقافي، إذ تسعى السلطات إلى فرض اللغة التقرينجية (أصلها من لغة غعيز) على كل المجموعات العرقية في إريتريا، وهو ما يؤيده فيه السياسي الإريتري، شوقي أحمد، القيادي في الحزب الإريتري للعدالة والتنمية المعارض أنه تم إبعاد اللغة العربية عن الدوائر الرسمية مما ساهم في ترسيخ اللغة التقرينجية ما أدى إلى أن كل مواطن من أي قومية غير تقرينجة أصبح مجبراً على التحدث بالتقرينجة أو الاستعانة بمترجم لإجراء معاملاته، كما أن الدراسة الجامعية صارت بالتقرنجية مما رسخ من وضعها وأضعف العربية التي لا يزال لها حضور رسمي غير قوي، لكن يحتاج إلى دعم حتى لا تندثر في المستقبل.