القضية والعرب

02 مايو 2016
أنس عوض (العربي الجديد)
+ الخط -

حتى توقيع "اتفاقيات أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل"، برعاية أميركية، في الثالث عشر من سبتمبر/ أيلول عام 1993 كان المصطلح السائد، في وصف الصراع مع "إسرائيل" والمشروع الصهيوني هو: الصراع العربي الإسرائيلي، ولكن ليس بعدما قامت المنظمة، بتشجيع من التيار السائد في الحياة السياسية العربية، بفصل مسار "التسوية السياسية" عن المسارات العربية الأخرى والدخول في "صلح منفرد" مع "إسرائيل".

قد يقول قائل: وماذا في المصطلح؟ إنه لم يعد يصف حالة واقعية، أو لم يعد يعبّر عن واقع عربي. فلا صراع فعلياً بقي بين العرب الرسميين، دول الطوق تحديداً، و"إسرائيل"، بالأخص بعد "الصلح" المصري المنفرد الذي أقدم عليه السادات وواصله خليفته حسني مبارك بحرص وتفانٍ شديدين. ولكن مع ذلك فإن المصطلح يعني شيئاً.

إنه يلحظ مدى الصراع، وطبيعة المنخرطين فيه، حتى من دون تسمية. فهو ليس صراعاً خاصاً بين الشعب الفلسطيني، صاحب القضية المباشر، و"إسرائيل"، بل بين العرب، بمن فيهم الفلسطينيون، و"إسرائيل" التي تحتل أرضاً عربيةً، وتشرّد شعباً عربياً، وتنتهك مقدسات إسلامية ومسيحية على السواء، من دون أن ننسى الوظيفة الاستراتيجية للكيان الإسرائيلي، بوصفه مخفراً استعمارياً في قلب المشرق العربي.

مخيف هذا المصطلح: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ففيه من التخلي والهجران ونفض اليد ما تقشعر له الأبدان. لم يكن هذا ما يريده حتى أكثر الفلسطينيين إلحافاً بموضوع استقلال القرار الوطني الفلسطيني.

مَنْ طالب بهذا الاستقلال كان يقصد، على الأغلب، انتزاع القضية من أدراج جامعة الدول العربية وليس من القرار والإرادة والمشاعر العربية. فذلك شيء وهذا شيء آخر. قد لا تبدو فلسطين، اليوم، في صدارة المشهد العربي، وقد تكون إدارة الحياة السياسية الفلسطينية في أبهت صورها وأكثرها ركاكة، لكن التشابك التاريخي والجغرافي والثقافي والسياسي المعقَّد بين فلسطين ومحيطها يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، فصلها عما يجري على حدودها.

لا تحرير لفلسطين، كما بينت الأيام، إلا بتحرّر محيطها من الاستبداد والتبعية، ولا تحرّر لمحيطها من التبعية والهيمنة إلا بتحرير فلسطين. لهذا فشل النظام العربي حتى في إحداث تنمية اقتصادية، ناهيكم عن الحرية والديمقراطية، في ظل التبعية للغرب، وبالتالي لـ "إسرائيل".

المساهمون