الجوائز عما قريب

05 مايو 2015
بيير بونار، غرفة الطعام مطلّة على الحديقة، 1934-1935
+ الخط -
يعلن غدًا اسم الرواية العربية الفائزة بجائزة البوكر أو الجائزة العالمية للرواية العربية. واحدة من بين روايات القائمة القصيرة الست، ستكون موضوع الصفحات الثقافية، رفقة "أخبار" الجائزة والكشف عن أسماء أعضاء لجنة التحكيم. سيكون ذلك مناسبةً "ممتازة" إن صحّ التعبير لسيلٍ من المقالات التي تدور في غالبها الأعمّ، في فلك الرأي والرأي المضاد. وحده النقد سيكون غائبًا. النقد لا الانتقاد، إذ ثمة فرقٌ كبير بين اللفظين، لكنه مهملٌ قصدًا على ما يبدو، إذ إن تلك الرغبة الجامحة في قول رأي ما عن الجائزة وروايتها الفائزة، يُغلّب كفّة اللفظ الثاني.
لم تحز جائزة البوكر إجماعًا على اختياراتها بصورة عامّة، وتعرّضت لنقد محقّ مرّة على الأقل، حين وصف واحد من أهمّ النقّاد العرب نتائج إحدى قوائمها القصيرة بما هو أدنى إلى العبث. بيد أن لا معرفة الناقد ولا صدقيّته منعتا عنه "انتقادًا نميميًا" لرأيه النقدي. فدبّت النميمة في وسطٍ ثقافي، يسعد بها على ما يظهر، بل إنه يرى في أحايين حضوره من خلالها. وانصرف الأمر نحو مسارب جانبية، ما لبثت، نظرًا إلى قوّة النميمة في التوالد والتكاثر، أن غدت طريقًا في التفكير، كأن تعدّ المناطقية أو الجندرية أو جنسية الفائز في عام سابق أو العلاقة بين المراكز والأطراف، "معايير نقدية"، تستوجب من كتّاب الرأي تضخيمها والتركيز عليها، باعتبارها مثلبة المثالب، والسقطة الكبرى التي تبرّر التشكيك حدّ التشهير بأعضاء لجنة التحكيم واختيارهم.
غريبٌ عجيبٌ أمر مقالات الرأي تلك، إذ إنها تنظّر بما يشبه ذر الرّماد في العيون، فتمدح قليلًا "الجائزة"، بمعناها القاموسي، ثمّ توجه كلامًا لاذعًا للرواية الفائزة، وتغمزُ من الجائزة بكلّ معانيها.
الغرابة والعجب من تلك الحلقة المفرغة التي تدور في فلكها المنابر الثقافية من جهة، وذلك الغياب الفادح لنقد تلك الروايات من جهة أخرى، أمرٌ لا يوازيه ربّما إلا ما يقال عن برمجة الناشرين والروائيين تاريخ نشر رواياتهم وفقًا لتقويم الجوائز ومواعيدها و"معاييرها" التي تغيض عند كلّ مقال، أو تظهرُ كبيانٍ رسمي من قبل القائمين على الأمر من دون أي سياق.
من المؤكدّ أن العيب ليس في الجائزة وحدها، ولا أعضاء لجنة التحكيم وحدهم، بل في تلك "المنظومة الثقافية" - مجازًا بالطبع- التي تحتفي بالهباء وتروّج له. من حيث هي تستبعد النقد وتغلّب الرأي الشخصي، ولا تحفل بقراءة الأعمال الفائزة بطريقة علمية وجذّابة في آن واحد.
مع ذلك، ثمّة ما يمكن عمله للخروج من هذا التكرار السنوي، الذي يظنّ في الأمر "قضية ثقافية". تبسيط الأمور أجدى؛ ثمة جائزة ولجنة تحكيم، روايات ونقّاد وناشرون ومنابر ثقافية وقرّاء، تؤلّف كلّها منظومة ثقافية واقعًا، وهي منظومة جاذبة على ما يظهر، لكنها مثيرة لنقاش غير مستحب، فالخلل الأساس هو في غياب النقد الجاد عن المنابر الثقافية، وتغليب المراجعة الصحافية، رغم واقع قلة عدد المنابر، العائد بصورة رئيسة إلى ما يشبه اختفاء المجلات الثقافية. لا بدّ إذن من توسيع الحيّز لنقد يؤاخي بين المعرفة والمتعة، وهو أمر قابل للحصول ومن شأنه ربّما تعويض القصور في عدد المجلات الثقافية. أمّا الأمر الثاني، فيتطلّب بعضًا من الشجاعة؛ أن تكمل الجوائز العربية - فليست البوكر وحدها المقصودة، بل ذاك الجوّ المشاع حولها كالطنين - "جميلها"، فترفد المنظومة الثقافية بأرشيف مداولات لجان الحكّام والنقّاد وتقاريرهم، بعد مضي فترة لا بأس بها على إعلان النتائج. صحيح أن المقارنة لا تجوز مع جائزة نوبل للآداب التي تفتح أرشيفها بانتظام كلّما مضى خمسون عامًا على اسم الفائز، ولكن قد يكون لوقع أمرٍ مماثلٍ في المشهد الروائي العربي، أثرٌ مخلخلٌ يكسر تلك الحلقة المفرغة التي تطلّ برأسها كلّ عام عبر مقالات رأي وآخر مضاد، مقالات لا تنتج في النهاية شيئًا إلا النميمة.
غدًا نتائج الدورة الثامنة للجائزة العالمية للرواية العربية - البوكر، وبعد نحو أسبوعين، نتائج الدورة الأولى لجائزة كتارا للرواية العربية، ولقد وجدت المقارنات بين الجائزتين طريقها إلى الصفحات الثقافية منذ فترة ليست قليلة، وإذ جهدت جائزة كتارا للانطلاق من "مفهوم" مختلف عن جائزة البوكر، توجّسًا وتحسّبًا لمقارنة غريبة عجيبة، لأنها على الأقلّ مقارنة مسبقة، بين ما هو موجود وما هو قيد الوجود ولمّا تظهر نتائجه الأولى بعد، إلا أن ذلك لم يقف حائلًا أمام مقالات الرأي والرأي المضاد تلك، التي وجدت في الأمر معانيَ من النوع الغريب العجيب نفسه، لا علاقة لها بالمشترك بين الجائزتين: الاهتمام بالرواية العربية.
المساهمون