الليبرالية أيضاً تلتهم المكان

10 نوفمبر 2014
تصوير: "معلّم" / لبنان
+ الخط -
ليست الأنظمة الشمولية وحدها التي سعت إلى تغيير معالم فضائها الجغرافي وقولبة عمرانه، وفقاً لتطلّعاتها الأيديولوجية وشخصية زعيمها. فالأنظمة الليبرالية والإمبريالية لم تقصّر في هذا المجال، والأمثلة على ذلك كثيرة، سنأخذ منها ثلاثة.

حين نزور نيويورك، ومانهاتن تحديداً، يصعقنا ـ أو بالأحرى يهرسنا ـ مشهد ناطحات السحاب الذي لا ينتهي فيها؛ ناطحات هي كناية عن مكعّبات لا قيمة جمالية لها ولا وظيفة سوى الإبهار.. ومناطحة السحاب.

ولعل الوجه الإنساني الوحيد في هذه المدينة يكمن في الأحياء القليلة التي لم تطلها ـ بعد ـ حمّى بناء الأبراج.

ومقارنةً بنيويورك، قد تبدو باريس كمتحف مفتوح بجمال عمرانها وواجهات أبنيتها وطريقة تصميم شوارعها.

لكن ما يجهله الكثيرون، وتتناساه البقية، هو أن جورج هوسمان، الذي يقف خلف شكل باريس الحالي، جرف أحياء شعبية بكاملها، بقرار من نابليون الثالث، من دون اعتبار لذاكرة المدينة ومصالح قاطنيها؛ ذاكرة كانت تكمن خصوصاً في هذه الأحياء التي تطرّق إليها لويس أراغون في روايته "قروي باريس".

ولم تفعل شركة "سوليدير" شيئاً آخر، في سياق مشروعها لإعادة إعمار وسط بيروت، بعد الحرب. مشروع قضى على ذاكرة المدينة، ولم يتردد في جرف جزء كبير من آثارها الفينيقية والرومانية التي ظهرت إلى العيان، خلال عملية "الإعمار"، فقط لتشييد ناطحات سحاب ومواقف للسيارات، اعتُبرت أهمّ لمنَ كان يملك القرار السياسي وشركة "سوليدير" معاً.

دلالات
المساهمون