"فلسفة الدين في فكر أركون": إنهاء التعالي التاريخي

31 مارس 2020
محمد أركون في بروتريه لـ عماد حجاج (العربي الجديد)
+ الخط -

من منظور أنثروبولوجي، قارب محمد أركون (1928 - 2010) ظاهرة التديّن باعتبارها سلوكاً بشرياً بحَث الإنسان من خلاله عن معنى لوجوده وفهم الكون من حوله، وهو نتاج ممارسة لعدد من الفاعلين الاجتماعيين على درجة متفاوتة من الاختلاف والتنوّع، وهو أيضاً نتاج قراءات تأويلية لا متناهية.

ضمن هذا المشروع، وظّف المفكّر الجزائري مناهج العلوم الإنسانية الحديثة مثل الأنثربولوجيا التاريخية واللسانيات في البحث ما وراء الظاهرة الدينية، وفي مفاهيم أساسية مثل الإسلام والوحي والتراث، رافضاً التصوّرات الميتافيزيقية المرتبطة بـ"تعالي النص" عبر التأكيد على تاريخيته.

مع تعاقب إصداراته، برز العديد من الطروحات في إطار الردّ والسجال على أفكار صاحب "الإسلام، الأخلاق والسياسة"، واستمرّ الأمر حتى بعد رحيله كما هو الحال مع كتاب "فلسفة الدين في فكر أركون" الذي صدر حديثاً للباحث العراقي جاسم علك شهاب ضمن سلسلة "فلسفة" عن "دار الشؤون الثقافية العامة" في بغداد.

يستند الكتاب إلى الدور البارز الذي تلعبه فلسفة الدین في الفكر المعاصر، ويقوم ببيان المفاهيم الفلسفية المختلفة التي يمكن أن تتبناها الأديان زاداً لنضوجها، وكذلك لفهم الحياة الروحية الفكرية للمجتمعات، وتحليل ما تنطوي عليه المعتقدات ونوع الأدلة التي تستند إليها.

يعود المؤلّف إلى عدد من الآراء المنتقاة من التراث الفلسفي الإسلامي وتقاطعاته الدينية، في مرحلة ذروتها على يد العديد من الفلاسفة كالفارابي الذي ربَط بين النشاط العقلي الإنسان بالمناخ والبيئة، والتي ضمّنها في كتب عدّة مثل "المدينة الفاضلة" و"السياسة المدنية" و"تحصيل السعادة".

كما يقف عند مقاربات ابن طفيل الذي حاول تفسير حصول الإنسان على المعرفة عن طريق التفاعل العضوي بينه وبين الطبيعة، معتمداً على العقل وحده، وكذلك النزعة الإنسانية لدى ابن رشد والتي تتمثّل في طلب السعادة للإنسان، والحرية، ومنزلة العلم ومكانته الإنسانية، وبقدرته على امتلاك المعرفة.

يستعرض المؤلّف تطوّر المساءلات الفلسفية في الغرب عن كلّ شيء في هذا الوجود، لتحتلّ الفلسفة حيّزاً مركزياً في حقول معرفية متعدّدة، تركت تأثيرها البالغ في الأعمال المعاصرة لبعض المفكّرين العرب التي ارتكزت على قراءة نقدية للمشاريع الفلسفية في التاريخ للإصلاح الفكري والتحديث الديني ضمن تيارات مختلفة، ناقش بعضها فلسفة الدين مثلما فعل حسن حنفي وطه عبد الرحمن ومحمد أركون.

يمثّل "العقل الديني" أهم المسائل التي يناقشها أركون، بحسب الكتاب، والذي يقبع تحت كلّ إشكالات التراث أو يقف وراءها، وهو في الوقت ذاته يمثّل نتيجتها أو محصّلتها، والحقيقة بالنسبة إلى هذا العقل، وهي واحدة لا تتجزأ، ولا يمكن ردّها إلى أيّة حقيقة أخرى، معتبراً إياه السبب في مسألة التسامح أو اللاتسامح، وتشكّل ما يسمّيه ثالوث "العنف، التقديس، الحقيقة".

ويمرّ شهاب على "التأريخ المتعالي" الذي استعاره صاحب "قراءات في القرآن" من ميشيل فوكو، موضّحاً أن الفكر الحديث قد تجاوَز الثنائيات الميتافيزيقية الكلاسيكية منذ أفلاطون التي استندت إلى (الصحيح/ الخطأ)، و(الخير/ الشر)، و(المادي/ الروحي)، وتعامل معها تعاملاً نسبياً وتاريخياً.

وقد توزّع الفصل الأول "سيرة محمد أركون وتكوينه الفكري" على ثلاثة مباحث، تناولت فيه حياته وتكوينه النفسي والأكاديمي، بينما تناول الفصل الثاني ثلاثة مباحث عن حقيقة فلسفة الدين، والعلاقة بين الفلسفة والدين (موجز تاريخي)، وموضوعات فلسفة الدين، وعالج الفصل الثالث المسألة الفكرية والدينية عند محمد أركون، وبحث الفصل الرابع التشكيل البشري للدين عند محمد أركون.

دلالات
المساهمون