أتاحت التقنيات الحديثة تحوُّلات كثيرةً في المتاحف والمعارض؛ فبفضلها بات من الممكن إضافة معلومات حول الأعمال بطريقة تفاعلية، كما أنَّ تكنولوجيا الصورة عالية الدقّة أتاحت إعادة إنتاج أعمال فنية لا يظهر الاختلاف بين النسخة والأصلية منها إلّا لعين خبير متمرّس، وقد أتاح هذا الأمر وصول الكثير من الأعمال إلى مختلف جغرافيات العالم، ممثّلاً حلّاً أمام صعوبة جمع أعمال متفرّقة لغرض منهجي، أو رفض بعض المتاحف إعارة مقتنياتها أو أنَّ هذه الإعارة غير ممكنة كما هو الحال مع الأعمال الجدارية أو تلك التي تمثّل مكوّناً تاريخياً في مكانها الأصلي.
باعتماد تقنية الصورة عالية الجودة، يُقام في "متحف الفن الحديث والمعاصر" في تونس العاصمة منذ 28 شباط/ فبراير الماضي معرض "رفائيل، راسم الوجوه" ويتواصل حتى نهاية الشهر الجاري. أشرفت على إعداد المعرض "مؤسّسة راي الإعلامية" مع عدد من خبراء الفن وتقنيات الطباعة والتصميم ويقام بمناسبة الذكرى المئوية الخامسة لرحيل فنّان النهضة الإيطالي (1483 - 1520)، وتُمثّل تونس محطّته الأولى خارج إيطاليا.
بحسب بيان تقديم المعرض، فإن مجموعة بورتريهات رفائيل تُعدّ مناسِبة لالتقاء عبقرية عصر النهضة (بين القرنين الخامس عشر والسادس عشر) مع قدرات التكنولوجيا الحديثة، ومن الأشياء التي تجري الإشارة إليها شهادة الخبير الفنّي الإيطالي أنطونيو باولوتشي بأنَّ نسبة التشابه على المستوى غير المادي قريبة جدّاً من نقطة التطابق؛ إذ حافظت النُّسَخ الرقمية على تفاصيل دقيقة جدّاً في اللوحات.
وحول أسباب الاشتغال على إعادة تنفيذ هذه الأعمال رقمياً، يشير التقديم إلى استحالة جمع تراث رفائيل الموزّع بين متاحف وكنائس ومجموعات خاصة، وقد جرى الانتباه إلى هذه المسألة منذ سنوات مع تواتر مناسبات الاحتفال بذكرى ولادة أو رحيل فنّاني عصر النهضة الإيطالي؛ مثل ليوناردو وميكالانجلو وكارافاجيو، حيث ترفض الجهات المالكة إعارة الأعمال الأصلية في فترة يكون هناك طلب مضاعف لزيارتها، إضافة إلى أنّ مشاريع المعارض المتجوّلة قد تعدّدت وتأتي طلبات استعارة الأعمال في نفس الوقت، بحيث أنّ إرضاء أحد الأطراف سيحرم البقية من عملٍ قد يكون أساسياً ضمن المنهجية التي وضعتها في تصوُّر المعرض.
لا يقف المعرض على مجمل أعمال رفائيل؛ حيث خُصّص لأحد أكثر الأنماط الفنية التي أتقنها الفنّان الإيطالي وهو رسم البورتريهات. وفي هذا السياق، يشير المنظّمون إلى أنَّ "وجوه رفائيل" تُعدّ قراءةً في عصر النهضة بمجمله، حيث تحمل تاريخاً للملامح والأزياء وطرق الزينة، وأكثر من ذلك للمشاعر والأفكار ورغبات من كانوا يجلسون أمام رفائيل، وهؤلاء كانوا نخبة ذلك العصر، وبالتالي النموذج الذي يبحث الآخرون عن تقليده.