أن تولد في بيت يطل على قبّة الصخرة

04 فبراير 2020
(انعكاسات مع "اثنا عشر قنديلاً لغرناطة" لـ بُلّاطه)
+ الخط -

لا تبدو علاقة الناقدة والمؤّرخة الفنية إليزابث كي فودن بفن كمال بُلّاطه مجرّد علاقة ناقدة بفنان، إذ تتجاوز هذا إلى أبعاد تجلّت في قراءتها للأبعاد الروحية لفنّه، وهو بالنسبة إليها لا يُقرأ في سياق الفن الفلسطيني والعربي فحسب، وإنما "كمساهمة في التجارب الراهنة على مستوى العالم، ومبعثها الأزمات السياسية والصدامات الثقافية التي أطلقت شرارة الفن التجريدي في أوائل القرن العشرين، وفي موسكو قبل أيّ مكان آخر، حيث حفّز منظور الأيقونة غير الخطي، على إحداث تغيير إبداعي جذري".

فالصلة الأقوى بين بُلّاطه وفناني أوائل القرن العشرين "تكمن في إصرارهم على تعدّد المستويات في اللوحة، وتمسّكهم بتعدّد المراكز، ونبذهم للمنظور الأحادي والثبات، وكلاهما يُفرض على المشاهد بصرياً وروحياً"، على حدّ قولها.

وتوضّح فودن أثر القدس وكيف شكّلت منظور الفنان: "كانت المدينة القديمة في القدس بمجملها مختبر أعمال هندسية. فمن فوق سطح بيت عائلة بُلاطه يمكنك رؤية قبة كنيسة القيامة العالية، والقبة الأدنى منها المسطحة فوق القبر المقدس، المبنى المقبب المعروف باسم "نصف الدنيا" (سرّة العالم أو الأرض) المحجوب جزئياً ببرج جرس كنيسة صليبي عمودي. وإلى اليمين على مبعدة، يقع مسجد عمر الذي بُني احتفاءً بالبقعة التي من المعتقد أن الخليفة عمر بن الخطاب ركع وصلّى فيها مبتعداً على نحو متقصّد عن القبر المقدّس حين زار المدينة ووقّع عهدة حملت اسمه مع بطريركها صفرونيوس عام 637 ميلادية".

تقدّم الناقدة معرفة متبصّرة بتجربة الفنان وطفولته ومساره: "في هذا الجو، أدخل والد بُلّاطه ابنه منذ مستهلّ حياته في عالم كلماتٍ آخر ذي صلة أيضاً بإحساس شعائري ديني بالمكان والجماعة. فقد اعتاد يوسف بُلّاطه منذ أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، وكمال ما زال يعيش في بيت العائلة، التخطيط لتتوافق صَلاته ظهراً في منتصف النهار مع متعة جمالية مصدرها الإصغاء إلى تلاوة القرآن في المذياع".

تتابع "آنذاك كان يسود الصمتُ البيتَ المبني من الحجر، ولا يجرؤ أحد على مقاطعة الصوت الملحَّن وهو يتغلغل في الفضاء الهادئ. كان ما يزال زمن المذياع، ولم يأت عالمَ مكبّر صوتٍ بعد".

وتوضّح "كان صوتُ المؤذن الصافي يرفع الأذان الداعي إلى الصلاة، وتقرع الأيدي أجراس الكنائس ولا تذاع من تسجيلات. وكانت ذكريات كمال السماعية المبكرة ذكريات مكانية أيضاً، لأن مؤذن كلّ مسجد في الحي كان يكرّر خمس مرات في اليوم التأكيد على جوار وعلاقة وهو يعزّز بصوته المميَّز شكل المدينة".

دلالات
المساهمون