"الشارقة للكتاب": مشاهدات من الساحة الرئيسية

12 نوفمبر 2016
(من الدورة الحالية، تصوير: فيكتور أنطوني)
+ الخط -

حين تقف وسط الساحة الداخلية الرئيسية لـ"معرض الشارقة الدولي للكتاب" الذي انطلقت دورته الخامسة والثلاثون في الثاني من هذا الشهر وتختتم اليوم، تكتشف أنك على مفترق طرق لا يُفضي فقط نحو القاعات التي تحتضن الندوات والمحاضرات أو أجنحة دور النشر، إنما يكفيك قليل من الوقت لتراقب الزوّار والناشرين والضيوف والإعلاميين قبل توجّههم إلى مقاصدهم، أو تقف عند أنشطة تبدو هامشية لكنها ستتحوّل إلى أساسية في دورات مقبلة.

في أكثر من نقطة في الساحة، ثمّة متطوّعون يسجّلون في غرفٍ صغيرة مخصّصة كتباً أو مقاطع من كتب بأصواتهم ضمن مبادرة "اقرأ لي" لإيصالها إلى ذوي الإعاقة البصرية والمسنّين والباحثين عن الكتب المسموعة. وفي أكثر من ركن هناك مراكز تعرض آلاف الكتب الإلكترونية.

في الساحة ذاتها، تُقام ورشات فنّية تهتمّ بالنحت على رصاص الأقلام، وعروض بهلوانية، وحفلات توقيع كتب لمدوّنين وناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي أو مدرّبين في المجال نفسه ممن وضعوا تجاربهم في مؤلّف، وهي تبدو خياراً مستقبلياً، موضوعاً ووسيلةً، للتوسّع فيه من قبل القائمين على المعرض لأهداف تسويقية، لما تلقاه من رواج قد لا يُعجب أهل الثقافة ومتابعيها.

الذهاب باتجاه المنتج الثقافي "الأكثر رواجاً" يحضر بوضوح في المعرض، سواء عبر الاهتمام المتنامي بهذا النوع من الفعاليات، أو التركيز على الأسماء العربية والأجنبية ذات الأعمال "الأكثر مبيعاً" أو مشاركة إعلاميين يحظون بنجومية، ما يؤكّده انتظار جمهور أحد اللقاءات مذيعاً تلفزيونياً تأخّر حوالي الساعة عن ندوته.

من جهة أخرى، يظهر هاجس تحوّل المعرض إلى مؤسّسة راعية لعقود ترجمة الكتب، من وإلى العربية، وحتى بين لغات أخرى، إضافة إلى بيع حقوق التأليف ضمن دور النشر العربية، هدفاً رئيسياً في الفترة المقبلة، على غرار المعارض الأجنبية، وتشير الأرقام غير المعلنة إلى أكثر من 1200 عقد موقّع إلى الآن.

غير أن حديثاً مهموساً ومسموعاً يتطرّق إليه ناشرون وكتّاب حول سوء طباعة وتصميم إصدارات جزء كبير من دور النشر العربية، التي تكثر فيها الأخطاء، أو لجوء أصحابها إلى إنتاج بكلفة قليلة تُظهرها عيوب الورق والإخراج، وإلى غلبة إصدار الرواية لدى كثيرين منهم بغض النظر عن مستواها الفني، ولا تغيب هنا المقارنات مع دور أجنبية.

ملاحظة أخرى تتعلّق بالكتاب المغاربي، الذي يقلّ وجوده مقارنة بالحضور المشرقي الطاغي؛ إذ لا تتجاوز مشاركة بلدان المغرب العربي عشرين ناشراً، ويغيب ناشرون بارزون منها بسبب ارتفاع تكاليف السفر وشحن الكتب، كما أوضح عدد منهم، مشيرين إلى أنهم يشاركون مرّة كل عامين أو ثلاثة، وهو ما يعني بالضرورة استمرار العزلة المفروضة على الكتّاب ومؤلّفاتهم بين الشرق والغرب.

يمتلئ المكان بالزوّار، خاصة أيام العطل، حيث يأتون عائلات أو مجموعات من الطلبة، تُحتسب أعدادهم فوراً وفق تقنية زُوّدت بها أرضية الساحة، ليُعلَن عنها يومياً مع إغلاق المعرض، حيث يكاد عدد الزائرين يكون الرقم المنتظَر بعد الإعلان عن العناوين المعروضة التي بلغت مليوناً ونصف المليون، وعدد الفعاليات والناشرين الذين تجاوز كل منهما 1500 هذا العام.

مشاركة نوعية قدّمتها "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة" (اليونسكو)، ضيف شرف المعرض لهذه الدورة، فقد اختارت محاور راهنة ومتخصصّة لجلساتها الأربع؛ الأولى بعنوان "النقاش العالمي حول الإسلام"، تحدثت فيها: الأسترالية البنغالية ناهد عفروس كبير، والأميركية مارسيلا هيرمنسن، والثانية عن كتاب "تاريخ أفريقيا العام"، شارك فيها السنغالي مامادو ضيوف، والثالثة بعنوان "طرق الحرير والتوابل: مسارات الحوار المعرفة"، تحدّث فيها: الفرنسي الموريشيوسي خال تورابولي والبريطانية الأوزبكية شيرين أكينر، والرابعة حول تاريخ الرق، شارك فيها: التونسي صلاح طرابلسي.

عودة إلى الساحة الرئيسية، حيث لا يمكن إغفال الانتشار الكثيف للصحافيين العرب، من بلدان مختلفة، تقتصر متابعات أغلبيتهم على بيانات معدّة سلفاً حول الفعاليات المقامة تحتشد بالأرقام والتصريحات العامة، أو عن حضور وزراء ثقافة سابقين أو إشادة رسمية بدور نشر أو مؤسّسات رسمية تشارك من بلدانهم في المعرض.

ويندر عند رصد المواد والتقارير الصحافية العربية أن تجد قصصاً حيّة حول تفاعل الحاضرين واهتماماتهم وملاحظاتهم النقدية، بالسلب أو الإيجاب، أو متابعة قضايا أثارها متدخّلون في أثناء النقاشات التي تعقب الندوات، وربما ينصبّ حرص معظم هؤلاء الصحافيين على تأمين مشاركاتهم في الدورات المقبلة أو الحصول على فرصة تقديم محاضرة أو إدارة أخرى سعياً وراء المكافأة، من دون رغبة بتوثيق خاصٍ بهم من زوايا مغايرة، تجنّباً للتكرار الذي تتّسم به تغطياتهم اليومية.

________________

المالايالامية تحضر 

تبدو مشاركة الهنود، وهم الجالية الأكبر في الإمارات، لافتة في المعرض. هذه السنة، يحضر كتّاب وفنّانون يكتبون باللغة المالايالامية، اللغة الأم لثلاثين مليون هندي في ولاية كيرالا جنوبي الهند. أُقيمت أكثر من محاضرة حول تاريخ لغتهم وثقافتهم وأمسيات لعدد من أبرز كتّابهم وشعرائهم مثل: أم تي فاسوديفان نايار، وك. ساتشيداناندان، وبات ملاحظاً اجتذاب هذه الفعاليات لزوّار عرب كذلك.

دلالات
المساهمون