تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم وأحوال الترجمة إلى العربية اليوم.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
اهتمامي بالترجمة الأدبية بدأ خلال دراستي في "كلية الألسن" بجامعة عين شمس، لا سيما وأن أستاذي مصطفى ماهر من كبار مترجمي الأدب الألماني. بعد ذلك التحقت بـ"كلية الآداب - جامعة القاهرة" وحصلت على دبلوم في الترجمة من الألمانية. خلال تلك الفترة تعلمت الكثير من أساتذتي، إذ كان يدرس لنا مادة الترجمة الأدبية كمال رضوان الذي شارك في وضع أهم قاموس من اللغة الألمانية إلى العربية (قاموس شريغله)، كما استفدت كثيراً من محاضرات ناهد الديب. وقد شجعني كلاهما على مواصلة الجهد في مجال الترجمة الأدبية، وهكذا نشرت أولى قصصي المترجمة في مجلة "القاهرة" ومجلة "إبداع" في منتصف الثمانينيات. بعد ذلك مررت بتجربتين محبطتين في النشر، إذ تقدمت لـ"الهيئة المصرية العامة للكتاب في مطلع التسعينيات بمجموعة قصصية، وتمت الموافقة عليها، وتفضل مصطفى ماهر بكتابة مقدمة لها، غير أنها ما زالت حبيسة أحد الأدراج حتى اليوم، أو ربما أكلتها جرذان الهيئة. الأمر نفسه حدث مع مجموعة أخرى للقاص فولفغانج بورشرت، تقدمت بها لتُنشر في "كتاب اليوم" الذي كان يُشرف عليه آنذاك الروائي جمال الغيطاني الذي تحمّس للنشر، ومرت سنوات طويلة دون أن تظهر الترجمة. ثم علمت أنه ترك الإشراف على السلسلة ولا يعلم أحد أين المجموعة.
حاولت أن أجمع ما لدي، وأعدت الترجمة، ثم تقدمت إلى سلسلة "آفاق الترجمة" في "هيئة قصور الثقافة" التي أصدرت المجموعة منتصف التسعينيات تحت عنوان "شدو البلبل". وكان ذلك أول عمل يُنشر لي.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتها، وماذا تترجم الآن؟
آخر ما نشر لي هي ترجمة رواية "حياة" للروائي البرليني دافيد فاغنر، وصدرت الرواية مطلع هذا العام عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر في بيروت، وهي رواية شاعرية، ذاتية، تتأمل في مغزى الحياة والموت. كما أني انتهيت قبل فترة من ترجمة مسرحية "البؤس والخوف في العالم الثالث" لـ برتولت بريشت، وما زلت أبحث لها عن دار نشر، فنشر النصوص المسرحية ليس سهلاً أبداً. ولي ترجمة رواية في المطبعة ستظهر قريباً عند دار "الكتب خان"؛ ترجمة رواية "الطباخ" للسويسري مارتن زوتر، وهو عمل تأخذ القارئ في رحلة إلى المطبخ الأيورفيدي في جنوب شرق آسيا وما أثمره من أطعمة أفروديتية، وهي بالتأكيد ستغير من ذائقة قارئها. أما العمل الذي أترجمه الآن فهي رواية "العاصمة" للروائي النمساوي روبرت ميناسه، العمل الذي حاز العام الماضي على "جائزة الكتاب الألماني"، أهم جائزة أدبية في الدول الناطقة بالألمانية.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
بالنسبة لي: موضوع الحقوق، حقوق دار النشر الأصلية، وحقوق المترجم، لا سيما في عصر القرصنة الورقية والإلكترونية.
■ هناك قول بأن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
أرى أن معظم دور النشر العربية هي التي لا تعترف بدور المحرر. دور النشر العربية لديها -في أفضل الأحوال- مراجع لغوي، يصحّح الأخطاء الطباعية والأخطاء اللغوية الشائعة (وفي بعض الأحيان بكثير من التعنت والذوق اللغوي المُحنط). على العكس، أكون في غاية السعادة عندما أتعامل مع دار نشر لديها محرّر محترف، لا يتوقف دوره على ما ذكرت، بل ينظر إلى العمل ككل، ويلتفت إلى الأسلوب، ويلفت نظر المترجم إلى كل ما يراه عائقاً أمام استقبال العمل المترجم. هذا الصنف نادر في دور النشر العربية، ولم يصادفني سوى في دارين من بين دور النشر الكثيرة التي تعاونت معها.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
هي علاقة احترام ومناقشة، ثم إقناع بأهمية العمل. وغالباً ما يأتي الاقتراح بترجمة أحد الأعمال مني أنا. أما إذا كان المقصود ترجمة العنوان نفسه، فأنا لا أغير العنوان لاعتبارات تسويقية، ولم يحدث حتى الآن أن اقترح عليّ ناشر تغيير العنوان إلا مرة واحدة، ولكن بعد نقاش، وبعد الرجوع إلى المؤلف، التزمنا بالعنوان الأصلي.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمها، وإلى أي درجة تتوقف عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
الأيديولوجيا السياسية ليست دافعي إلى الترجمة. أترجم ما أحبّه، وما أعتقد أنه جدير بالترجمة، ويهم القارئ العربي، بغض النظر عن الطرح السياسي. وما لا يعجبني، لا أترجمه، ببساطة. لدي ترف اختيار ترجمة ما أحب.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجم له؟
هي في معظم الأحيان علاقة ورقية فقط. أما إذا كانت هناك مواضع بالنص غامضة أو غير مفهومة أو تحتمل أكثر من تأويل، فإنني أراسل الكاتب -غالباً عن طريق دار النشر- وأتوجه إليه بأسئلتي. وفي العادة تأتيني الإجابة في عصر البريد الإلكتروني بعد أيام قليلة. حدث هذا مع إلفريده يلينك وإنغو شولتسه ودافيد فاغنر على سبيل المثال.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
لست روائياً أو كاتب قصة حتى أستطيع الرد على هذا السؤال. طموحي الشخصي هو أن يتلوّن أسلوب الترجمة ليعكس أسلوب الكاتب واختياراته البلاغية. ولكن علينا ألا ننسى أن لكل مترجم معجماً لغوياً وسمات أسلوبية.
■ كيف تنظر إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
أرى أن المشكلة في ندرتها. لا ينال مترجم الأدب في الغالب مكافأة مجزية، ولذلك ينبغي، على الأقل، تكريم البارزين في مجال الترجمة، كما يجب تشجيع المترجمين الشبان بمنح تفرّغ أو إقامات في ما يسمى "بيوت المترجم".
■ الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظر إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
هذه، بالفعل، مشكلة كبيرة. لا ينبغي التعميم بالطبع، وعلينا أن نقيّم كل مشروع على حدة. ولكني بعد عدة تجارب مع مؤسسات، أقول إن معظمها بيروقراطي إلى حد كبير، ويفتقر إلى استراتيجية مرنة. لكني لا أريد أن أقلل من جهود تلك المؤسسات التي قدمت أعمالاً مهمة بترجمات جيدة. غير أنها إجمالاً برأيي لم تحدث النقلة المنتظرة في الترجمة.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسير وفقها كمترجم، وهل لك عادات معيّنة في الترجمة؟
من الناحية الفنية تمر الترجمة عندي بعدة مراحل: مرحلة الترجمة "المسودة" المليئة بعلامات الاستفهام والجمل التي تحتها خط لأني غير راض عنها، ثم تأتي المراجعة والتصحيح والتنقيح والصقل حتى أرضى عن الترجمة بعض الرضا. ليست عندي عادات معينة، أعمل عادة مباشرة أمام الكمبيوتر، وفي بعض الأحيان أترجم في مسودة ورقية، يحدث هذا غالباً في مقهى أو خلال أسفاري. المهم بالنسبة لي ألا أفقد حماستي للعمل.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
حدث هذا مرة واحدة حتى الآن، لأن العمل الأصلي، على أهمية موضوعه (الأدب والرقابة)، كان مكتوباً بشكل جاف للغاية، مع كثير من الإحالات إلى أحداث تاريخية في ألمانيا تجعل فهمه صعباً على القارئ العربي. نُشر الكتاب بطبعة فاخرة ضمن أحد المشروعات الخليجية، لكنه لم يوزع بشكل جيد، وبالتالي لم يقرأه أحد تقريباً، أو هكذا أشعر. لكني عموماً "لا أندم على ما فعلت"، لأني كما قلت أختار في معظم الحالات ما أترجمه، وأتعلم من كل كتاب أترجمه.
■ ما الذي تتمناه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجم؟
أتمنى أن تواكب اللغة العربية الجديد في عالم النشر، وألا يستمر التركيز على الترجمة من الإنكليزية والفرنسية. كما أتمنى أن تختفي ظاهرة الترجمة عبر لغة وسيطة إلا في حالة اللغات النادرة، وأن تعتدل كفة الميزان لصالح الترجمة العلمية والفلسفية. وحلمي أن يستطيع المترجم أن يعيش من مكافآت الترجمة حياة لائقة.
بطاقة
درس سمير جريس (1962) الألمانية وآدابها في القاهرة، وتابع دراسة علم الترجمة في ألمانيا. نقل إلى العربية 25 عملاً أدبياً معاصراً، منها: "عازفة البيانو" لـ إلفريده يلينك، و"صداقة" لـ توماس برنهارد، و"الوعد" لـ فريدريش دورنمات، و"حياة" لـ دافيد فاغنر. كما ألّف كتاباً بعنوان "غونتر غراس ومواجهة ماض لا يمضي" (الصورة). حصل على جائزة "معهد غوته" للترجمة الأدبية عام 2014.