ما علاقة الأدب العربي بـ الأوبئة التي ضربت المجتمعات العربية في القرنَين التاسع عشر والعشرين؟ وما مدى تأثير الحجر الصحّي على الإنتاج الأدبي؟ سؤالان طرحهما اليومُ الدراسي الذي نظّمته، قبل أيام، "جامعة أحمد دراية" بمدينة أدرار جنوب الجزائر، تحت عنوان "الأدب والأوبئة".
تنطلق أطروحة اليوم الدراسي، الذي أُقيم عن بُعد، من اعتبار الأدب "فنّاً يعكس صورة حياة المجتمع، وبالتالي فإن الأوبئة تستفز الكاتب فيتناولها في أعماله الأدبية"، بحسب ما نقرأ في بيان المنظّمين الذي يضيف: "يهدف اليوم الدراسي الى رصد التحوُّلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تسبّبتها الأوبئة، ومظاهر التأثير الفردي والاجتماعي الناجمة عن تلك التحوُّلات".
في مداخلته، قدّم الأكاديمي والناقد السعيد بوطاجين إضاءةً تاريخية على الأوبئة في المنطقة العربية، ذاكراً على سبيل المثال الطاعون الذي ضرب بلاد الشام خلال العصر الأموي وامتدّ إلى العراق ومصر وشمال أفريقية، مُشيراً إلى أنه لعب دوراً هامّاً في سقوط الدولة الأموية، وفق ما يذكره أحمد العدوي في كتابه "الطاعون في العصر الأموي".
وبعد استعراضه عدداً من الأعمال الأدبية التي تناولت الأوبئة، يخلص بوطاجين إلى أنّ كثيراً من أنصار اللغة من أجل اللغة والفن من اجل الفن كثيراً ما أهملوا المواقف الإنسانية والهواجس التي تُقلق العالم، مضيفاً أنّ وباء كورونا المستجدّ قوّض الكثير من القناعات والأوهام.
من جهته، تطرّق الأكاديمي مصطفى منصوري إلى علاقة الأدب بالأوبئة من جهة وعلاقة القراءة بأزمنة الأوبئة من جهة أُخرى، معتبراً أنَّ القراءة تزيد في زمن الوباء؛ حيث كثيراً ما يتّجه الناس إلى القراءة في محاولةٍ لفكّ العزلة التي يشعرون بها خلال فترة الحجر الصحّي، وعادةً ما تكون الأعمال التي تناولت الأوبئة هي الأكثر مقروئية خلال هذه الفترات، مشيراً في هذا السياق إلى التقارير الصحافية التي ذكرت أنَّ رواية "الطاعون" لـ ألبير كامو كانت الأكثر قراءةً مع بداية انتشار فيروس كورونا المستجدّ في إيطاليا.
وعرَض منصوري أعمالاً أدبية تطرّقت إلى ثيمة الوباء، موضّحاً الانتقال في مستويات توظيفه؛ من الأسطوري كما في مسرحية "أوديب ملكاً لسوفوكليس، إلى الرمزي في "الطاعون" لـ ألبير كامو، إلى الواقعي في قصيدة "الكوليرا" لنازك الملائكة، معتبراً أنه ليس من وظيفة الأدب التأريخ بل ملامسةُ همّ الإنسان، ليختتم مداخلته بالقول إنّ الوباء الذي يعيشه العالَم حالياً قد يكون فرصةً لتطوير الأدب وارتياده آفاق جديدة.
أمّا الروائي والأكاديمي الصدّيق حاج أحمد الزيواني، فتناول في مداخلته ما أسماه "ملامح الديستوبيا" في روايته "كاماراد - رفيق الحيف و الضياع” (2015)، والتي تناول فيها موضوع الهجرة السرية للأفارقة إلى القارّة الأوروبية، قائلاً إنَّ تلك الملامح تتجسّد في الأوبئة والحروب الأهلية والفقر، وهي العناصر التي تُمثّل "تجسيداً عامّاً للمجتمعات الأفريقية" وفق تعبيره.
وأوضح الزيواني، الذي سافر إلى عددٍ من البلدان الأفريقية، خلال كتابته هذا النصّ الروائي، بأنَّ قناعةً تشكّلت لديه مفادها أنَّ ذلك الثالوث هو السبب الذي يدفع بالأفارقة إلى ترك بلدانهم وخوض مخاطر الهجرة غير القانونية مدفوعين بأحلام الوصول إلى الضفّة الشمالية للمتوسّط.
ويستشهد المتحدّث بمقطعٍ من الرواية يتمثّل في رسالةٍ بعث بها غريقٌ إلى أمّه يطلب صفحها إن لم يصل رفاته ليُدفَن "جنب قبرَي أبي وجدّي في مقبرة القرية، وأُختي الكبرى التي ماتت بوباء الكوليرا، وأخي الأوسط الذي هلك مؤخّراً بالإيبولا"، مضيفاً: "لا يُمكن أن نتحدّث عن الأوبئة في أفريقيا دون عزلها عن الفقر والحروب الأهلية".
وتحت عنوان "روايات الأوبئة: من صناعة الرعب إلى ناهية العالم"، تطرّق القاص والأكاديمي عبد الله كروم إلى العلاقة بين الأدب بوصفه جمالاً وفّنًا وعاطفة وخيالاً والأوبئة بوصفها أحزاناً وأسقاماً مقلقة، موضّحاً أنّ هذه العلاقة تأتي من كون الأدب في حقيقته تعبيراً عن حركة الحياة في الماضي والحاضر والمستقبل.
ومِن خلال سرده بعض عناوين الأعمال الأدبية التي تناولت الأوبئة، يخلص المتحدّث إلى وجود انتقالٍ ممّا يُسميه "أدب الرعب" الذي تُعبّر عنه روايات ستيفن كينغ مثلاً، إلى رواياتٍ تنتصر للقيم الإنسانية وتحلمُ بعالمٍ تسوده فيم العدالة والسلام والإخاء كرواية "العمى" لجوزيه ساراماغو.
وتناولت الأكاديمية سمايحية خضار موضوع "أوبئة القرن الحادي والعشرين وأثرها في السرد الغربي"، مستعرضةً ثلاثة نمادج لأعمال روائية "شكّلت الأوبئة موضوعاً لها؛ حيثُ تناولت ما يعقب الوباء من خراب وتلمّست العزلة التي يشعر بها الإنسان، وهي: "عام الطوفان" (2009) للكاتبة الكندية مارغريت آتوود، و"المحطة الحادية عشرة" (2014) للكندية إميلي سانت جون مانديل، و"قَطع" للأمريكية الصينية لينغ ما (2018).