أكثر من موقع في باريس أحيط مؤخراً بهالة إعلامية وفنية. يحدث ذلك لسبب بسيط: بانكسي مرّ من باريس. إلى حدّ الآن جرى إحصاء ستّة أعمال حائطية للفنان مجهول الهوية. من الضواحي إلى قلب "عاصمة الأنوار".
بدأ ظهور هذه الأعمال في 20 من الشهر الجاري، وتتابعت في الأيام الموالية الإشارات والصورة الملتقطة عبر الهواتف في مواقع التواصل الاجتماعي ثم في وسائل الإعلام (حتى 24 من الشهر) وهو ما يشير إلى أن الفنان مجهول الهوية قد أقام في باريس، حتى أن كثيرين تحدّثوا عن فرصة الصحافة الفرنسية لاستقصاء هويته خلال هذه المدة، لكن ما شغل الجميع أكثر هي الرسائل التي أراد الفنان تمريرها في باريس.
تزامن ظهور أعمال بانكسي مع "اليوم العالمي للاجئين"، وهو ما رسّخ قناعة بأن حضوره ذو طابع احتجاجي-سياسي يشاكس الحكومة الفرنسية ومواقفها من مسألة اللجوء، والهجرة بشكل عام. العمل الأول تضمّن صورة طفلة ذات بشرة سوداء تغطي شعار النازية بموتيفات وردية.
هذا التوجه التأويلي يدعمه أن آخر حضور لبانكسي في فرنسا (2015) قد تناول أيضاً مسألة اللاجئين. كان ذلك في مدينة كاليه المطلة على بحر المانش شمال غرب فرنسا، وقد حمل صورة ستيف جوبز حيث ذكّر بانكسي أن والده مهاجر سوري تحوّل ابنه لاحقاً إلى أيقونة أميركية.
لكن الأعمال التي ظهرت لاحقاً أثبتت أن الفنان مجهول الهوية قد أتى بأكثر من رسالة إلى العاصمة الفرنسية. ففي شارع فلاندر استعار مفردات أشهر لوحة لنابليون (أنجزها جاك لوي دافيد) ليستبدل شخصية الإمبراطور الفرنسي بشخص ملفوف بالأحمر. أما بالقرب من السوربون، فقد رسم رجلاً يقدّم عظمة لكلب ويخفي في يده الأخرى منشاراً. وفي عمل بدا غريباً بعض الشيء عن هندسة صور بانكسي، كتب "مايو 196" مسقطاً الـ 8 ومحوّلاً إياها إلى فراشة قماشية على رأس جرذ ظهر في أعمال سابقة له.
هذه التلاعبات كان لها صدى في الصحافة، فقد تنوّعت تمثّلاتها في في خليط عجيب بين الدهشة والافتخار والتذمّر. بدأ الأمر مع خبر في "وكالة الأنباء الفرنسية"، كان هناك حذر في نقل المعلومة، حيث عنونت خبرها بـ"أعمال تُنسب إلى بانكسي في باريس". أما قناة "بي أف أم" الإخبارية فقد بدا عنوانها أقرب إلى الإثارة "بانكسي يضرب هذه المرة في باريس"، واختارت صحيفة "لو باريزيان" عنواناً أبسط يتضمّن نبرة احتفائية: "بانكسي يملأ جدراننا بأعمال ملتزمة". أخيراً عنونت "لوموند" مقالاً حول الرسومات بـ"باريس هدفاً وملعباً لبانسكي".
ربما نفهم من هذا التنوّع أنه يوجد أكثر من تقبّل لحضور أعمال بانكسي في باريس؛ هناك فرح أكيد بمرور الفنان مجهول الهوية من باريس، وهو في حدّ ذاته حدث حوّل أماكن منسية إلى مزارات، لكن يبقى أن هذا الحضور يحمل درجة من الإحراج للحكومة الفرنسية فهو يلفت المارة إلى مسألة راهنة (قمة أوروبية حول اللاجئين أقيمت منذ أيام). بانكسي ليس راضياً عن الكيفية التي تدار بها الأمور.