تُعدّ الجغرافية الممتدّة من جنوب غرب عُمان وحتى حضرموت في اليمن منجماً للأساطير والنقوش التي تعكس حقبة أساسية من تاريخ العرب قبل الإسلام، لا يزال الكثير منها مجهولاً بالنظر إلى تركّز الدراسات على مراكز الحضارات في بلاد الرافدين ومصر واليونان خاصةً.
باتت هذه الثقافة المهملة موضع اهتمام عدد من المتخصّصين والكتّاب، منهم الباحث والروائي العُماني محمد الشحري (1979) الذي تتبّع مسارات عديدة في سيرة ظفار؛ المكان الذي وُلد ونشأ وتعلّم فيه واحدةً من اللغات العربية القديمة (الشحرية)، التي يتحدّث بها آلاف العُمانيين حتى يومنا هذا.
"الأحقافي الأخير" عنوان روايته الصادرة حديثاً عن "دار سؤال"، ويحيل عنوانها إلى كثبان الرمال المرتفعة التي يشير القرآن والمصادر التراثية إلى أنها كانت موطن قوم عاد وسُمّيت بـ"الأحقاف"، حيث بنوا صروحاً عالية فوقها ضمن نظام هندسي يسمح بتحرُّك الرمل من تحتها دون أن تتعرَض إلى الانهيار، وكأن الكاتب اختار أن يروي حكاية آخر من سكن تلك الأنحاء.
يُهدي الشحري عمله إلى "أحمد الزبيدي صديقاً وكاتباً"، وهي عتبة ثانية للنص تستعيد الروائي العُماني (1945 - 2018) الذي وُلد في ظفار أيضاً، وتناول في سرده وكتبه المعتقدات واللغات والفنون والعادات والتقاليد والمساكن وطرق الحياة، من المعتقدات الدينية المؤثّثة بالآلهة القديمة التي عُبدت في المنطقة، وصولاً إلى الثورة التي شهدتها في العصر الحديث.
على الخطى ذاتها، يرصد الراوي التحوّلات الاقتصادية التي حلّت بالمكان وتداعياتها على أبنائه وصولاً إلى ثورة ظفار، فيدوّن في مقطع منها: "الثائر الذي صنع الثورة لا يحق له استثمارها، لأنه سيكون كمن فتح بقالة يسترزق منها. الثورات ليست دكاكين". وفي موضع ثانٍ، يقف الراوي عند أسباب الثورة ومآلاتها: "بسطاء وجدوا أنفسهم ذات صدفة في تاريخ ظالم. إذ تحولوا هم وبلادهم إلى مسرح للحرب الباردة. العالم يتصارع على أرضهم، أرض الأنبياء والأولياء والأتقياء...".
يُصدر الشحري "الأحقافي الأخير" بعد خمسة أعوام من نشر روايته الأولى "موشكا" التي يحمل عنوانها إلى ميناء سمهرم أو خور روري، المكان الذي يُصدَّر منه اللبان في ظفار، وقد أُحيط بالأساطير ونُسجتْ حوله قصص وحكايات محبوكة بالعجائب والسحر، ويتّكئ فيها الكاتب على ذاكرة الطفولة في تتبُّع طُرُق السرد القديمة، وكذلك في إعادة خلق الكائنات الغامضة غير المرئية والعابرة والمتخيّلة.
يُذكر أن الشحري يحمل درجة الماجستير في العلوم الثقافية، وله مجموعة قصصية بعنوان "بذر البوار" (2010)، وكتاب في أدب الرحلة بعنوان "الطرف المرتحل" (2013)، والعديد من الدراسات منها: "اللغات الظفارية وعلاقتها باللغات البربرية" (2009)، و"محمد بن أبي شنب: بين الاستشراق والاستعراب" (2009)، و"الموروث الشعبي ودوره في حفظ الذاكرة الثقافية" (2010).