استرجاع الإرادة

21 سبتمبر 2015
فيرنر هورفاث/ النمسا
+ الخط -

شيء ما في انتفاضات 2011 جعلها تنتصر لنظرية شوبنهاور عن الإرادة بوصفها دفقاً أعمى لا عاقل ولا معقول. بالطبع، ينطبق ذلك إلى حد ما على كل الثورات والطوفانات الجماهيرية، ومنها ثورات الأنوار الأوروبية التي لا بد أنها ألهمت شوبنهاور.

لكن هذه الأخيرة واكبتها عقلانية فتية وفي عزّ فحولتها، عقلانية كانت تطالب جهاراً بحاكميّتها المطلقة، وهي التي تألهت صوفياً بلسان هيغل قائلة "أنا الكل المطلق ولا خارج لي". حتى الجنون الدموي الذي أفضت إليه الطوباوية الثورية لم يكن ليزعزع من فائض ثقتها، بل إنها لم تر فيه سوى مرحلة تطهّرية وآلام مخاض.

هيغل ذهب إلى اعتبار أن حاكمية العقل تشمل الثورات وما قبلها وما بعدها، وأن الخرافة والعنف واللاعقل ليسوا سوى تمظهرات جزئية للعقل الكلي، فردّ شوبنهاور بأن العقل نفسه ليس سوى أداة وتمظهر لقوّة عمياء لا عاقلة ولامعقولة.

بخلاف الثورة الفرنسية، أتت الثورات العربية بعد بهتان البنى والمنظومات التي أنتجتها العقلانية المنتصرة، بعد أن انحدر العقل من مرجعية قيمية إلى أداة حسابية لمقامري وول ستريت.

كانت ثورة منسيّي التاريخ بعد أن أعلن فوكوياما انتهاءه، بدت المجتمعات العربية المنتفضة مثل جثة فرانكشتاين وقد استفاقت جرّاء صدمة كهربائية. شوبنهاور يقول إن المرء يريد أولاً ثم يعرف ماذا يريد، والجماهير العربية التي نزلت إلى الشارع لم ترد شيئاً سوى استعادة إرادتها السليبة.

أما عن المآل الانتحاري الذي أدّى إليه استنقاع الثورات وانسداد السبل في وجهها، فتلميذ شوبنهاور الألمع، نيتشه، كان سيقول: إرادة العدم خيرٌ من عدم الإرادة.

المساهمون