"المافيا الأدبية" في إيران

06 ديسمبر 2018
"حداثة 8"، من سلسلة لـ وليد الزواري/ تونس
+ الخط -

قلّما تجد كاتباً في إيران يكتب وينشر من دون أن تكون لديه تحفّظات على أجواء الأدب والفن، فحين تتحدّث إلى أحدهم، بعيداً عن آذان الوشاية، ستجده يردّد: "الجو الأدبي في إيران ملوَّث".

كثيرة هي الأسباب التي أفرزت هذا الشعور، قد يكون أوّلها أن الأيديولوجيا صبغت كلَّ شيء. وكلّما حاولت الأخيرةُ الهيمنة على الفن والثقافة، اضطرّ الكاتب، الذي يرغب بنشر أعماله، إلى قبول رؤية النظام وفلسفته. وهكذا، سيكون على الكاتب الذي يريد أن يعيش من الكتابة أن يتحرّك فقط ضمن الإطار الذي يحدّده مسؤولو الأجهزة، لا أن يذهب حيث يشاء.

ومن جانب آخر، بات الحقل الأدبي في إيران، في جزءٍ واسع منه، تحت سيطرة صحافيين يقومون، من خلال النقد والتقييم، بدور الرقابة والقمع، بحيث إذا سمعوا أن هناك أصواتاً مختلفة عن السائد والمطلوب يُسرعون إلى انتقاد أعمالها بحدّة. بعض هؤلاء لهم باع في الصحافة، غير أن المعرفة الأدبية تنقصهم. وفي المحصّلة، نحن إزاء ساحة تتكوّن من "مجموعات مافيا" تبث الخوف والقمع والحروب النفسية. هكذا، فإن الجدل حول الأدب في إيران لا يقع تحت سقف نقد مهني وشفّاف، بل إن هذا الجو لم يسمح بظهور نقد مهني أصلاً.

على صعيد آخر، شاهدنا في السنوات الأخيرة مهرجانات محلية لا تقوم بالدور الذي تعلنه وهو المساعدة في تطوير الأدب. تبدو هذه المهرجانات وكأنها أُطلقت لأغراض غير أدبية تماماً، بعضها فيه نزعة ذكورية واضحة، وفي أخرى نجد أثراً للعنصرية. الأدب إنما هو صوت جماعي يحتفي بالتعدّد والقبول بالآخر، وعندما ينسى هذه القيم، سيصبح في خدمة السلطة؛ وتحلُّ مكانه الإنشائيات الدينية والعرقية والوطنية.

أمّا السبب الأخير، ولا يعني ذلك أنه الأقل أهمية في صناعة هذا "الفضاء الملوّث"، فهو الجمعيات الأدبية أو تلك الاجتماعات التي فُرض عليها أن تكون هي الأخرى محكومةً بـ "مجموعات المافيا" وارتباطاتها، وبالتالي يصعب أن تعبّر عن الكتّاب وهمومهم.

على مستوى أدبي بحت، ينعكس هذا الجو في النصوص، والتي نجد فيها إفراطاً في البحث عن إرضاء الشكليات والتركيز على الألعاب اللغوية؛ من دون أن تصل هذه الألعاب إلى معنى معيّن (أفضِّل شخصياً اللعب على المعنى بدلاً من الشكل).

حين نصل إلى هنا، قد نشعر أن مجموعات "المافيا الأدبية" قد نجحت في ما رسمته، فأسهل الطرق لإخماد التجديد هو خلق اضطرابات في الجو الأدبي الإيراني بالتفرقة العرقية والوطنية واللغوية والجنسية والدينية وعدم السماح للشباب بإنتاج أعمال حُرَّة ومُبدعة. لكن، رغم ذلك، لا يزال هناك كتّابٌ لم يستسلموا لهذا الجو. هؤلاء خلقوا ملاذاً يشعرون فيه بالأمان وفيه يمكنهم التعبير عن مخاوفهم، بعيداً عن الأطر ذات البعد الواحد.

يمكننا أن نطلق على هذا النوع من الكتابة "الأدب الهامشي"، فبعد أن أصبحت الموسيقى "هامشية" والسينما "هامشية" في إيران، أصبحنا نرى أعمالاً أدبية "هامشية" أيضاً.


* كاتبة إيرانية
** ترجمة من الفارسية: حمزة كوتي

المساهمون