رأت دور نشر ومؤسسات ثقافية في أميركا وفي بلدان أُخرى أنه لم يعد بمقدورها الوقوف كمتفرج على الاحتجاجات التي تشهدها شوراع البلاد ضد الممارسات العنصرية للشرطة الأميركية ضد السود، ومواجهتها المظاهرات بالعنف الذي تبثه وسائل الإعلام يومياً منذ مقتل جورج فلويد على يد أحد رجال الشرطة في مينيابوليس.
انتقلت المظاهرات إلى بريطانيا وعدد من الدول الأوروبية، مما جعل دور النشر تقدم تبرعات مادية كتعبير عن موقفها من العنصرية ضد المواطنين السود في أي مكان؛ من ذلك تبرُّع "مجموعة هاشيت" في بريطانيا بعشرة آلاف جنيه إسترليني لـ "حملة العائلات والأصدقاء المتحدة" وهي تحالف لعائلات أشخاص قُتلوا على يد الشرطة وفي مراكز التوقيف، كما تبرعت بعشرة آلاف جنيه أيضاً لـ "صندوق الأنديز التضامني".
وكانت "هاشيت" أصدرت بياناً طويلاً نقتطف منه: "كان يُفترض أننا تجاوزنا تلك العصور التي كان فيها البعض يخشى على سلامته الشخصية بسبب لون بشرته، لكن من الواضح أن الأمر لم ينته بعد. من الصعب تخيّل ما يشعر به مجتمع السود، ومع استمرار مثل هذه الفظائع، باتت الحاجة أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى للوقوف معاً وتثقيف أنفسنا، وأن نقدّم الدعم المالي متى أمكن لنا ذلك".
"بنغوين راندوم هاوس" كذلك أصدرت بياناً على موقعها وعلى حسباتها الرسمية في وسائط التواصل الاجتماعي جاء فيه: "إننا نقف ضد العنصرية والعنف تجاه مجتمع السود، وسنتضامن مع كل من يناضل من أجل العدالة العرقية في جميع أنحاء العالم"، وأعلنت الدار في نيويورك أنها ستتيح إصداراتها من الكتب والموارد المناهضة للعنصرية على حساباتها رقمياً، كنوع من زيادة الوعي حول تاريخ العنصرية والنضال ضدها وحقوق الأفرو-أميركيين.
كما نشرت الوكالة الأدبية "مؤسسة راشيل ميلز الأدبية" في لندن، بياناً أعلنت فيه دعمها للمؤلفين ممن يكتبون ضد العنصرية، ويساهمون بكتاباتهم في تسليط الضوء على هذه القضية، وعلى حقوق السود في كل مكان من العالم.
وللمرة الأولى في تاريخها، توفّر مكتبات مستقلة في الولايات المتحدة فضاءاتها كملاجئ للمحتجين، حيث فتحت أبوابها لحماية المتظاهرين ولتوفير الإسعافات الأولية لهم في حال أصيب أحدهم أثناء الاحتجاجات.
من جهة أخرى، بدأ تحرك في وسائل التواصل الاجتماعي أقرب إلى حملة تدعو إلى دعم مكتبات يملكها السود، وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن مبيعات الكتب المناهضة للعنصرية والتي تسرد تاريخها وتاريخ النشطاء فيها وسيرهم شهدت إقبالاً ملحوظاً على طلبها في أميركا.
منصات كثيرة مخصصة للكتب والثقافة والفنون المعاصرة كرست جهدها خلال الفترة الماضية للتعبير عن مناصرة الاحتجاجات ضد العنصرية، وخصصت مضمونها بالكامل لمقالات عن العنصرية في أميركا.
وذهبت مكتبات أخرى إلى ترتيب محاضرات رقمية ولقاءات مع كاتبات وكتّاب في الأدب والصحافة، تتناول في موضوعها تاريخ أميركا والعنصرية وحقوق السود فيها ومعاناة المجتمع الأميركي والأدب الأفرو- أميركي.
من بين هذه المبادرات، تنظم مكتبة ودار "ميبو" الفرنسية محاضرة على إنستغرام تقيمها كاميلا باترونو ، صاحبة مكتبة Maipiu الباريسية التي أعلنت استضافتها الصحافية الفرنسية كولومب شنيك، مساء غد السبت، على حسابها في أنستغرامللحديث عن روايتها "ليالي الصيف في بروكلين" كنوع من التضامن مع المحتجين في أميركا.
الرواية التي صدرت في شباط/ فبراير الماضي، تتناول أميركا وبالتحديد نيويورك عام 1991، وتبني الكاتبة أحداثها على قصة حب بين امرأة أوروبية بيضاء في زيارة إلى نيويورك وأكاديمي ينتمي إلى البرجوازية الأمريكية الأفريقية في شيكاغو.
تضع الكاتبة أمام القارئ ما يشبه تحقيقاً أدبياً اجتماعياً وسياسياً في مدينة عنيفة واقعة تحت التوتر العنصري نتيجة حادثة مقتل طفل أسود في بروكلين، إحدى المناطق القليلة المختلطة حيث يعيش السود والبيض في أحياء مشتركة.