مارغريت دريدا: رحلت بهدوء في جلبة كورونا

08 ابريل 2020
(الزوجان دريدا في بيتهما، 2001، جويل روبين)
+ الخط -

مرّ خبر رحيل مارغريت دريدا كما مرّت حياتها بالنسبة إلى أكثرنا. بصمت، تقريباً. رحلت عن 88 عاماً إثر إصابتها بفيروس كورونا. رحيل هادئ في الجلبة الكبيرة التي يحدثها الوباء. هل أغمضت عينيها وحيدةً، ككثيرين، للأسف، من مجايليها في هذه الأيام، من دون أن تودّع ابنيها، بيار وجان؟ كل ما نعرفه أنها رحلت في دار للمسنّين في باريس. يوم السبت، 21 آذار/ مارس 2020.

لا يكاد يحضر اسم مارغريت إلا ويحضر معه التعريف بكونها زوجة الفيلسوف، التي "تركت" اسم عائلتها، أوكوتورييه، لتحمل اسم عائلته، منذ زواجهما عام 1957. التقيا للمرة الأولى عام 1953، عن طريق أخيها الأصغر، ميشال، الذي كان زميل دريدا في الصف التحضيري لدخول "المدرسة العليا للمعلمين"، ومن بعد ذلك في المدرسة العليا نفسها. هذا ما تخبرنا به سيرة دريدا، الأكثر جمالاً وملامسةً للقلب ربما، التي كتبها بونوا بيترز ("دريدا"، منشورات فلاماريون، 2010).

في ذلك اليوم، أخذ ميشال السيارة التي أهداه إياها والده، غوستاف أوكوتورييه، كمكافأة لنجاحه في دخول المدرسة العليا، وكان معه فيها جاك دريدا وميشال سير، اللذين لم يتجاوزا الثالثة والعشرين من العمر. كان مقصدهم منتجعاً للتزلج على الثلج في سافوا العليا، قرب الحدود السويسرية.

هناك التقت مارغريت بجاك، الذي سبق لأخيها أن أراها وجهه في صورة تجمعهما، معرّفاً إياه بـ"الفيلسوف العبقري". كانت مارغريت "شقراء جميلة بالكاد بلغت العشرين من عمرها". وكانت مصابة بالسلّ، "كالعديد من أبناء جيلها من الطلاب"، وتتلقى العلاج في أحد المصحّات القريبة. ولم يكن دريدا، بالنسبة إليها، هي المشغولة بمرضها، خلال ذلك اللقاء، إلا "واحداً من بين الشباب في المجموعة"، لا أكثر ولا أقل. لكنّ جاك أبدى اهتمامه بها منذ هذا اللقاء الأول، كما تخبرنا سيرة الفيلسوف، التي يعود الفضل الأول في وجودها، كما يقول بيترز، إلى مارغريت نفسها.

كان على سنة ونصف من الزمن أن تمضي قبل أن تعود طالبة الأدب واللغة الروسيين إلى باريس، حيث ستبدأ علاقتها بجاك. سيتزوجان تقليدياً، لإرضاء العائلة، بعد ثلاثة أعوام من لقائهما الأول، في كامبردج، في الولايات المتحدة، حيث حصل جاك على منحة كـ"مستمع خاص" في جامعة هارفارد. ولن يفترقا حتى وفاته عام 2004.

قضت مارغريت دريدا سنوات طفولتها الأولى في براغ، مدينة أمها التشيكية، لتنتقل، عام 1941، مع أمها وأخويها، إلى القاهرة، التي ظلت العائلة فيها، "في ظروف صعبة"، حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. انتقلت بعد ذلك إلى موسكو، ومنها إلى فرنسا.

إلى جانب عملها محلّلة نفسية، نقلت مارغريت دريدا إلى الفرنسية أعمالاً لرومان جاكوبسون ومكسيم غوركي، كما ترجمت عدداً من أبرز اشتغالات المحللة النفسية النمساوية-البريطانية ميلاني كلاين، مثل: "مقالات في التحليل النفسي" (1984)، و"الحِداد والاكتئاب" (2004)، و"عقدة أوديب" (2006). وتُحسب لها، إضافة إلى ذلك، ترجمتها كتاب الروسي فلاديمير بروب المرجعيّ "مورفولوجيا الحكاية" (1970).

لا يشكّ المعلّقون على أعمال جاك دريدا بتأثيرها فيه وجذبها إياه إلى عوالم التحليل النفسي، الذي يعدّ دريدا من أكثر الفلاسفة الفرنسيين المعاصرين تحاوراً معه، حتى أن التحليل النفسي يشكل الثيمة الأساسية لعدد من كتبه، مثل "البطاقة البريدية" (1980)، "مرض الأرشيف" (1995)، و"مقاومات - عن التحليل النفسي" (1996)، و"أمزجة التحليل النفسي" (2000).

دلالات
المساهمون