"فالس الأحلام": نخب في النكتة السوداء

25 يوليو 2016
ماجد زليلة/ تونس
+ الخط -

منذ عقود قليلة، ظهر شكل "القصة القصيرة جداً"، وأخذ كغيره من الأشكال الأدبية الطارئة ينتزع شيئاً فشيئاً مساحة من الاعتراف النقدي والجماهيري به. لم يكن هذا الشكل بمعزل عن مسارات التطوّر الفكري والأدبي، بل كان وليدها، فهو أحد أبناء ما بعد الحداثة التي احتاجت إلى وسيلة أدبية تصوّر تسارع الحياة الجديدة وتشظيها.

منذ سنوات، والقصة القصيرة جداً تجد موقعها في الساحة العربية أيضاً، سواء بسبب الاحتكاك مع الأدب العالمي، أو لشعور كثيرين بأنها باتت محملاً مناسباً للتعبير عن مساحات لا تفك شيفرتها النصوص المطوّلة.

اختار الكاتب التونسي شكري الباصومي هذا الشكل الأدبي في آخر أعماله "فالِس الأحلام" (2016، "الثقافية للنشر")، موظّفاً إياه لإضاءة مشهد النخب التونسية وتحرّكاتها (الشعاراتية والسلوكية) في السنوات الأخيرة، ما أمدّ نصوصه بطاقة هجائية هزلية حتى تكاد تشبه شكل النكتة.

من الواضح أن الباصومي استفاد من كونه صحافياً، فالحكايات التي تقدّمها قصصه القصيرة جداً تبرز احتكاكاً يومياً مع الموضوع الذي يتناوله، إضافة إلى توفير تفاصيل قلّما يبلغها من يتابع المشهد من خلال مراياه (الصحف والتلفزيون والإنترنت).

قد يتعرف القارئ بين قصة وأخرى إلى الشخصيات التي تتناولها بعض القصص من خلال أقوال جرى تداولها يعيد الباصومي استعمالها، وقد يحدث أن لا يعثر على خيط يجمع حادثة تُسرد بمرجعياتها، ولكنها تظل في كل الحالات صورة يمكن التقاطها من فضاء "النخب التونسية". نحن دائماً إزاء "نمط يحتاج الى فطنة من الباثّ والمتقبل لفض طلاسم المكتوب" كما يقول المؤلف في مقدّمة الكتاب.

يُظهر هذا الشكل الأدبي قدرة على استيعاب أنماط كتابة هامشية، مثل بوستات الفيسبوك والكتابات المدرسية والشعارات التي ترفع للاحتجاجات، وهي جميعها عناصر كثيفة الحضور في السنوات الأخيرة يقوم الباصومي بتحويلها إلى حبكات صغيرة.

ليس نادراً أن تعترض القارئ عبارات عرفت انتشاراً موسّعاً ضمن توظيفات جديدة، عبارات عرفها الناس في مشاحنات في بلاتوهات تلفزيونية أو في أعمال فنية أو في حملات انتخابية، كما قد يقتنص الباصومي أخرى من يوميات المثقفين وحيواتهم الافتراضية.

لتشكيل هذه العناصر وتأليفها اعتمد الباصومي على ألعاب لفظية كثيرة، إذ كثيراً ما نعثر على تلاعب بالكلام كما هو الحال بالنسبة للقصة التي حملت المجموعة اسمها "فالِس الأحلام" (التلاعب الثلاثي بلفظة فالس؛ من الفلس واسم الرقصة وكلمة فارس)، أو أنه يلعب على العلاقات بين الملفوظ والمعنى (قصة "تلميع وتغطية") وتبديل السياقات لاستخراج دلالات جديدة، إضافة إلى استعارات من الأدب العربي القديم واللغة الصحافية (قصة "حق الرد").

تبدو لعبة شكري الباصومي وقد وصلت مبتغاها، فمجموعة القصص القصيرة جداً تبدو في المحصلة مثل شظايا مرآة، كل شظية رغم صغرها لها إحالاتها ومرجعياتها وارتباطاتها التي تكشف ما يمكن أن يكونه المثقف التونسي وهو ينتقل من فضاء إلى آخر؛ بين السياسة والفن والإعلام والحياة الأكاديمية.

دلالات
المساهمون