آكاش أوديدرا.. لوحات من حياة الراقص

16 يونيو 2018
آكاش أوديدرا في "همهمة"
+ الخط -
في أمسية واحدة، ضمن فعاليات مهرجان "ربيع بيروت 2018"، الذي اختتم الأسبوع الماضي، قدّمت فرقة "آكاش أوديدرا" وهي فرقة مسرح حركي بريطانية على "مسرح المدينة" في بيروت عرضين مسرحيين؛ هما على التوالي: "موشوم"، و"همهمة".

العرض الأول كوريغرافيا من تصميم داميان جاليه، يبدأ مع دخول المؤدي - الراقص، وهو ليس سوى الفنان الذي تحمل الفرقة اسمه؛ آكاش أوديدرا (بريطاني من أصول هندية)، ليتوسط الفضاء السينوغرافي، ويقوم أمام الجمهور برسم وشم على كفّيه، ومن ثم يضم كل منهما إلى الآخر، لتصبح الحكاية بعد ذلك واقعة فوق جسد الممثل.

كلّف أوديدرا مصمّم اللوحات الكوريغرافية داميان جاليه بالغوص في عالم العلامات والوشوم القَبَلية لغاية تصميم هذا العرض، ثم بدأ الثنائي في استلهام مشاهد العرض من وشوم على جسد جدّة أكاش أوديدرا، ومنها الدخول في مغامرة اكتشاف مفاهيم الانتماء والحماية والقيود.

كتب القائمون عن عرض "موشوم" في التعريف عنه: "منذ القدم عُرف الوشم كعلامة على الهوية وكإشارة إلى التجارب التي عاشها الجسد. كان جسد جدة أوديدرا مغطّى بالوشوم بالكامل، وهي الوشوم التي آمنت بها كعلامة حماية وكعلامة انتماء. في هذا العرض يصبح الجسد مكاناً للتحوّل، ووسيطاً لعيش التجارب والتغيرات". وفي موضع آخر، نقرأ: "إن جسد الراقص في هذا العرض يعيش سلسلة من التحوّلات في سبيل البحث عن الحدود التي تغلف هذا الجسد وعن القدرات التي يمتلكها في علاقته مع باقي الأعضاء".

يتابع عرض "موشوم" مجرياته مع المؤدي الذي يعمل من خلال حركات جسده وتنقلاته في الفضاء المسرحي، على إنهاء هذا التلاحم بين يديه عند الكفّين. يؤدي الراقص كامل الحركات والتصاميم الحركية بيدين مضمومتين كأن الوشم الذي رسمه له قوة فوق طبيعية. كأن العرض بذلك يدفع إلى تساؤل: ماذا لو أن قوة سحرية تدخّلت ما بين إرادة الإنسان ووضعية وحركة ذراعيه؟

يرافق العرض موسيقى إلكترونية مينمالية تتابع حركات المؤدّي وترسم التصاعد الدرامي. الموسيقى المصاحبة ألّفها خصّيصاً للعرض الموسيقي "لوسيل". أما على مستوى الإنارة، فمرّة تضاء أرضية الفضاء المسرحي على شكل مربعات ضوئية بيضاء تمنح المتلقي متعة بصرية في متابعة محاولات الجسد الراقص في تحرير كفيه من التقائهما، ومحاولاته التحكم في حركتهما اللولبية المتكررة. ومرةً أخرى تغطى الأرضية بالورق الأبيض حيث يحاول الراقص أن يرسم بالرصاص الأسود دوائر وإشارات تعيد التذكير بأصل الإلهام الذي قاد إلى هذا العرض وهو الطقوس القبلية والطقسية المستمدة من ذاكرة جدّته.

في الجزء الثاني من الأمسية، وبعد خروج المشاهدين من الصالة، أُعدّ الفضاء المسرحي بسينوغرافيا جديدة (عشرون مروحة على مدار الخشبة، وخمس ستارات بيضاء شفافة تسقط من أعلى المنصة حتى الأرضية)، ليتم تقديم العرض الثاني، والذي يحمل عنوان "همهمة"، واستمر خمساً وثلاثين دقيقة، وهو عمل له هو الآخر مرجعيات من حياة أوديدرا.

يلفتنا تقديم العمل إلى أن أوديدرا "منذ صغره قد عانى عسر القراءة، وقد غطت صعوباته التعليمية على جميع مواهبه، لكنه في النهاية تمكن من تحويل هذه المشكلة لمصلحته، واختار الرقص طريقته المفضلة للتعبير الخلاق". هكذا يحاول الراقص في "همهمة" أن يعبّر عن قصته الشخصية، فيفتتح العمل بمشهد وهو يقرأ كتاباً في ظل مشاعر من الإحباط المتزايد، إلى أن يرمي الكتاب جانباً في نهاية الأمر، وينتقل بدلاً من التعبير عبر الأحرف والكلمات إلى التعبير عبر الجسد.

تحضر في "همهمة" تقنيات الرقص المعاصر أكثر من العرض الأول وإن تقاطعا في ثيمات مثل: الهوية، الانتماء، الذات، وهي في العرض الثاني تذكّر عبر مكبرات الصوت الموزّعة على جانبي خشبة المسرح، بينما يستعمل آكاش أوديدرا في لوحاته الراقصة شالات بيضاء يسعى جاهداً من خلالها لكتابة الحرف الأول من اسمه، وهو حرف A، ومن ثم يكتشف أن الحرف ذاته يتكرّر في اسمه مرتين، ويشير إلى أنه اسم مهاجر فهو ليس مثل الأسماء الإنكليزية الأصول.

يمكن أن نعتبر كلا العرضين محاولاتِ شخصيةٍ حقيقيةٍ، هي المؤدّي آكاش أوديدرا، في التعرّف على جسده، على اسمه، وعلى هويته، بمساعدة من الإسقاط الضوئي البصري، وبتصميم سينوغرافي مرهف في جمالياته وتوازنه، بحيث يتمتع المتلقي بصرياً بالتصاعد السردي خصوصاً في نهاية "همهمة"، حيث يفقد أوديدرا الأحرف التي جمعها من اسمه، ويتوه بين أوراق على الأرضية وأخرى تسقط عليه من أعلى الخشبة المسرحية، ما يعيد إليه هويته الضائعة.

تسعى "فرقة آكاش أودريدا" بشكل عام لتقديم كرويغرافيا ذات محتوى سردي، أي أن الأعمال التي تقدّمها هي عبارة عن قصص عبر الحركة، وهي تدمج الرقص التقليدي الجنوب الآسيوي مع الرقص المسرحي المعاصر، وهي عملية تزيد في إمتاع المتلقي وتمنح عروضه فرادتها.

المساهمون