"سورية؛ بلدي الذي لم يعد موجوداً"، عنوان المعرض الفوتوغرافي الذي يقام حالياً للمصوّر السوري عمار عبد ربه (1966) في "قصر بيت الدين" في منطقة الشوف في لبنان ويتواصل حتى العاشر من آب/ أغسطس المقبل، ويشي عنوانه بأن الصور المعروضة تقترب من ذاكرة سورية ومن لحظات التسامح والبهجة والفن فيها، قبل أن تحطّم الحرب كل شيء، وتختفي الملامح الأصلية للبلد تقريباً.
لن نرى في المعرض الصور التي ألفناها عن سورية في العقد الأخير، حيث يضم المعرض 48 صورة التقطها الفنان ما بين عامي 1990 و2015، وتمثل تفاصيل عاشتها دمشق وحلب وحماة ولم تلتفت إليها كثيراً وسائل الإعلام. ثمة حاجة ملحة إلى هذه اللقطات التي تحاول التشبث والقبض على مشاهد كاد السوريون أن ينسوها، في مزيج من أدوات الصور الواقعية والفنية.
هنا شاب طائر بالقرب من نواعير حماة، يلعب على أخشابها ويقفز عليها كما لو كانت درجاً، وهذا صابون الغار الحلبي والمعجون بزيت الزيتون، مرتّب في صفوف بانتظار أن يُشترى وأن يحمل إلى أحد البيوت ليكون قطعة حميمة منها.
وهذا هو الجامع الأموي، والأسواق المحيطة به، والمارة، وباعة الحلوى على عرباتهم، والثياب الشعبية المزركشة على جدران سوق الحميدية المسقوف، عروض الدراويش وغيرها.
رغم أن عبد ربه مصوّر صحافي، حيث سافر إلى العراق وليبيا كمصور حرب لكنه يميل إلى التصوير في زمن السلم أيضاً. يقول في حديث سابق له: "كنت أرفض دائماً أن أكون مراسلاً أو مصوراً حربياً، ذاك الذي يمضي عامه كاملاً من حرب إلى حرب. ليس لدي أي غرام أو ميل إلى الحرب. التزامي هو في السلم ومع الأسرة. صورت حروباً كان يصعب ألا أصورها، في العراق، وليبيا، حيث تربيت، وسورية بالطبع.. من المعيب أن يأتي الأجنبي ويصوّر في بلدي ولا أذهب أنا للتصوير".
في المعرض تظهر سورية التي عاشت فيها أديان وطوائف وأعراق، صور للمسجد الأموي وأخرى لأديرة معلولا، أماكن يعود تاريخها إلى القرون الأولى للمسيحية، بائع عرق السوس، وصور لقدّاس، ورجال يلبسون الملابس الريفية الشعبية ويحملون بين أيديهم كتب الصلوات المسيحية.
ثمة صورة التقطها عبد ربه عام 1990 تُظهر سورياً يهودياً يقف مع حفيده أمام كنيس في الحي اليهودي في دمشق؛ ويعتبر الفنان أنها تمثل نهاية حقبة وأن السوريين لن يعرفوا بعد اليوم شاباً سورياً يهودياً أبداً.
في عمل آخر، يظهر عامل يقوم بدهن لوحة إعلانية لشامبو، وفيه تظهر امرأة مبتسمة وشعرها جميل ومتناثر حول وجهها، كانت تغطية الصورة في حزيران/ يونيو 2000، بعد وفاة حافظ الأسد، حيث كان لا بد من إشاعة مظاهر الحزن وتغطية كل مظاهر السعادة والحياة اليومية المعتادة.
يقدم عبد ربه لقطات من حياة سورية السابقة، في نوع من الثناء على الناس الذين كانوا يحافظون على الحد الأدنى من السعادة في ظل نظام كان يحاول دائماً طمس أسبابها.