موح فيتا: قيثارة وشارع وشرطي

24 يناير 2016
(من تظاهرة الموسيقيين الجزائريين، تصوير: مهدي حاشيد)
+ الخط -

أمام "نفق الجامعة المركزية" في الجزائر العاصمة، كان الشيخُ الضرير يقضي نهاره يغنّي ويعزف. ظلّ لسنواتٍ طويلة وفيّاً لعادته، وربمّا قلّةٌ من المارّة انتبهوا إلى وجوده ووصلتهم ألحان حزنه المنبعثة من آلة البانجو. ولعلّهم انتبهوا فقط بعد أن غادر بوبكر أمغار مكانه في 2012، تاركاً إيّاه للفراغ.

ليست ثقافة موسيقى الشارع منتشرةً كثيراً في الجزائر. كثيرون يذكرون "بابا سالم زنجي" كأيقونة لهذا الفن رسخت في الذاكرة الشعبية. كان يجوب أحياء العاصمة، سنوات السبعينيات والثمانينيات، بأزيائه الغريبة مؤّدياً موسيقى القناوة. لاحقاً، انتكست الظاهرة سنوات العشرية السوداء، حين لم يعُد لصوت الموسيقى والفرح مكان في الشارع.

لم يكُن الكثيرون يعلمون أن العزف أو الغناء في الشارع - حتّى لو كان جادّة "ديدوش مراد"؛ أحد الشوارع الرئيسية في الجزائر العاصمة - يتطلّب رخصةً، مثله مثل أيّ تجمّع سياسي أو اجتماعي. كان يجب انتظار منتصف كانون الثاني/ يناير الجاري، حين اعتُقل مغنٍّ شاب بتهمة "استغلال مكان عمومي من دون رخصة".

تَوّجت الحادثة سلسلةً من المضايقات اليومية التي كان يتعرّض إليها محمّد دحّة (1986) المعروف باسم "موح فيتا"، منذ أن قرّر، قبل قرابة ستّة أشهر، حمل قيثارته والخروج إلى الشارع ليعزف ويغنّي: "في مقابل من كانوا يُعجبون بما أقوم به، كنتُ أسمعُ تعليقات ساخرة وجارحة من بعض المارّة".

يضيف في حديث إلى "العربي الجديد": "لم تكُن المرّة الأولى التي أُقتاد فيها إلى مخفر الشرطة، فقد حدث ذلك مرّتين في السابق، بدعوى "التحقّق من الهوية". طُلب منّي تغيير المكان والتوقيع على محضر يتّهمني بـ "التسوّل بطريقة احترافية". وبالطبع، رفضتُ ذلك. ما أفعله ليس تسوّلاً، أمارس هوايتي التي طوّرتها منذ 2004، ومن حقّي أن أكسب بها قوت يومي، عوض أن أعمل أجيراً عند الآخرين".

كان دحّة في "ساحة أودان" كعادته يعزف ويغنّي مع صديقين، قبل أن يطلب منه شرطي استظهار رخصة: "في الحقيقة، لم أعرف حتّى الجهة التي عليّ أن أقصدها. بعضهم وجّهني إلى وزارة الثقافة، وعلمت أن استصدارها يتطلّب وقتاً طويلاً". اقتيد إلى المخفر، بينما وثّق أحد صديقيه اللحظة ونشر فيديو على فيسبوك.

انتشر الفيديو عبر الشبكات الاجتماعية بسرعة، ولاقى اهتماماً كبيراً في الوسطين الفني والإعلامي. وبينما كان المغنّي الشاب يفكّر في طريقة للتخلّص من العقبات التي تواجهه، كانت قضيّته تتفاعل. وجّه بعضهم دعوة إلى تظاهرة موسيقية في الشارع. هكذا، التقى عشرات الموسيقيين في 16 من الشهر الجاري في المكان نفسه وقضوا يومهم يعزفون ويغنّون، تضامناً مع "فيتا"، وتنديداً بالتضييق عليه.

في ظرف وجيز، أصبح المغنّي المغمور واحداً من أكثر الفنانين الجزائريين شهرةً. يعترف دحّة أنه لم يتوقّع كلّ ما حدث. لكنه يعتبر أن ما يهمّه هو العودة للغناء في الشارع: "أحضّر منذ فترة لإصدار ألبوم غنائي وتأسيس فرقة موسيقية. ربما، يساعدني ما حدث في اختصار بعض المحطّات، لكن ذلك اليوم كان سيأتي عاجلاً أم آجلاً".

على صفحته في "فيسبوك"، نشر رئيس بلدية الجزائر الوسطى، حكيم بطّاش صورةً له مع دحّة وهو يسلّمه رخصة، موجّهاً دعوة إلى الفنانين الراغبين في ممارسة فنهم في الشارع إلى التوجّه إليه.

حصل دحّة على أوّل رخصة للغناء في الشارع تُمنح في الجزائر. تبدو قصّته وقد انتهت نهاية سعيدة. لكن، هل يُفترض على من يريد ممارسة هواياته في الشارع الحصول على رخصة أصلاً؟ يجيب بطّاّش على سؤال "العربي الجديد" بالقول إن استصدار رخص لفنّاني الشارع إجراء معمول به في كثير من بلدان العالم بهدف "تقنين هذا النشاط".

يضيف: "لم نعط رخصةً لفنانين من قبل لأن لا أحد طلب منّا ذلك. لكن مع إصدار الرخصة الأولى، أعتقد أن آخرين سيطلبونها، أصدرنا رخصة ثانية لرسّام.. والبقية ستأتي بالتأكيد".


اقرأ أيضاً: "فاوست": القرن 21 يذهب أيضاً إلى الجحيم

دلالات
المساهمون