علي كالديرون.. الإسبانية لغة الفقراء

04 مايو 2014
الشاعر المكسيكي
+ الخط -

أساليب وتصورات جديدة لتطوير اللغة الشعرية بدأت تشق طريقها في المكسيك، بفضل عدد من شعراء الجيل الجديد أخذ على عاتقه مهمة تجديد الشعر المكسيكي؛ المتربّع على عرش الأدب الإسباني، بفضل شعراء مهمين مثل أوكتافيو باث وخايمي سابينس وخوسيه إيميليو باتشيكو وغيرهم.

علي كالديرون (مواليد 1982)، واحدٌ من هذه الأصوات الشابة التي تتميز بالتجديد والديناميكية. وإلى جانب كونه شاعراً، أصدر خمسة كتب، فهو ناقد ومدرس للأدب الإسباني في جامعة "أونام" المكسيكية. ولعلها ليست مجرد صدفة أن يحمل الشاعر اسماً عربياً، فجزء من مواضيع علي وهمومه تشير بطريقة أو بأخرى إلى المنطقة العربية وإلى الثقافة الإسلامية. ناهيك عن أن في المكسيك ما يذكر حتماً بفلسطين.

قصائد كالديرون تلفت النظر ليس فقط بسبب دلالاتها وحساسيتها العالية، لكن أيضا بسبب ابتعادها عن الشكل التقليدي للقصيدة وميلها المستمر إلى المغامرة. ففي بعضها مثلاً، لا يستخدم كالديرون علامات الترقيم، وهي طريقة كتابية ورثها من الحركات الطَّليعية الفرنسية والإنجليزية التي ظهرت في بداية القرن العشرين. ففي نظره، علامات الترقيم تقيّد سرعة القصيدة، والشاعر يتمتع بحرية أكبر بدونها ويمنح القارئ فسحة أكبر لتفسير قصائده.

القصيدة بالنسبة إلى كالديرون هي نتيجة، تماماً كما يعتقد الشاعر الكندي "مارك ستراند". إنها حاجة داخلية ملحة، وهذه الحاجة لا تتَّسع لعلامات ترقيم. ويؤكد الشاعر أنَّه ليس من المهم أن تكون القصيدة جميلة بل أن تكون صادقة وأن يكون لديها القدرة على إثارة أحاسيس القارئ وانفعالاته ودهشته على نحوٍ ما.

وعن دور الشعر في ملامسة مشاكل الواقع، خصوصاً وأن المكسيك تعاني من انعدام الأمن وغياب العدالة الاجتماعية في كثير من مناطقها، ومن تفشي الفساد وانتشار الجريمة، ناهيك عن مشاكل المهاجرين الذين يقعون ضحايا عصابات التهريب؛ يقول كالديرون إن الشاعر لا يكتب لأغراض نفعية مباشرة أو من أجل النهوض بمجتمعه، بل ليروي ما يحدث في محيطه، لقول ماذا يعني أن نعيش في مكان ما في لحظة محددة من التاريخ. بهذا المعنى، يدخل الشعر التاريخ وينتقد الوقائع.

وفي هذا السياق، يشير كالديرون إلى أن الإسبانية هي لغة يتكلمها أكثر من 500 مليون شخص في العالم، لكنه يصفها أيضاً بلغة الفقراء لأن 300 مليون شخص ممَن يتكلمونها يعيشون تحت خط الفقر. وهذا الوضع يؤثر أو يحدد، في نظره، الطريقة التي يُكتب بها الشعر في هذه اللغة. لكن رغم المشاكل الكثيرة التي تعاني منها المكسيك، إلَّا أنّ الحركة الأدبية والفنية نشطة فيها.

عام 2011 صدرت في المكسيك أنطولوجيا شعرية بعنوان "قصائد أمام الشَّك"، ضمت مختارات من قصائد علي كالديرون ومجموعة من مجايليه من شعراء المكسيك. في مقدمة تلك الأنطولوجيا حول الشعر الإسباني يرى صاحبها أن الشعر ظُلِمَ خلال الخمسين عاماً الماضية بسبب المبالغة في أساليب التجريب العقيمة وغير المنتجة التي أثّرت سلباً على المعنى والدلالة وعمق الفكرة. ومن هذا المنطلق، يرى كالديرون أنه لا بد للشعر من أن يعود إلى إنتاج المعنى وخلق رؤى جديدة للعالم.

يعتقد كالديرون أنه من الصعب على الشّعر أن يغيّر العالم، فهذه ليست وظيفته. الشعر يبدأ بتغييرنا نحن وتغيير القارئ. ويضرب كالديرون مثلاً بالشاعر الإغريقي أركلوكوس الذي كان مرتزقاً جباناً وبائساً إلا أنه يعتبر مؤسس الشعر الإغريقي.

كما يستحضر الشاعر الأزتيكي تيكايوهاوتزين الذي استدعى الفلاسفة والحكماء والشعراء عام 1490 للإجابة على السؤال التالي: ما الذي يستحق العناء على هذه الأرض؟ وفي سياق بحثهم عن جواب على هذا السؤال، اعتبر هؤلاء أن الأكثر قيمة هو ما يعرف بـ"السوشوتيل" و"الكويكاتل"، أي الزهور والنشيد، وهي صيغة أخرى لقول "الشعر".

تبقى إشارة أخيرة وهي أن كالديرون يرى بأن القصيدة تأتي من الفقد والقلق. والقلق لا يعني سوى الانتباه.


قصائد للشاعر في ترجمة خاصة لـ"العربي الجديد"



المساهمون