ريناتا سالكل: ضرورة أن نختار شيئاً

12 سبتمبر 2019
(ريناتا سالكل، تصوير: كرستيان بوتشيوتشيو)
+ الخط -

في كتابها الصادر عام 2010، "سطوة الاختيار"، أثارت عالمة الاجتماع السلوفينية ريناتا سالكل (1962) مسألة كون إنسان عصرنا معرّض باستمرار إلى مسألة الاختيار الاجتماعي، أي إنه بات يعيش على وقع ضرورة أن يختار شيئاً، فالفرد اليوم مُطالب باختيار هويته وأسلوب حياته والذي لا ينفصل عن سياقات النمط الاستهلاكي للحياة الحديثة.

وترى سالكل، في كتابها، أن الإنسان بات مُغرَقاً في العروض التي تحاول أن تدفعه في اتجاهات بعينها؛ كأحدث الهواتف الذكية أو قائمة الوجبات في المطعم أو وجهة عطلته السنوية، ليفضي كلّ ذلك إلى كونه لم يتمتّع بحريّة حقيقية، فالإنسان بات يعيش في حلقة مفرغة من الحاجة إلى تلبية رضاه الشخصي.

حول أفكارها هذه عن الاختيار وطغيانه، تلقي سالكل محاضرة في "مؤسسة عبد المُحسن القطّان" في رام الله تحت عنوان "سطوة الاختيار" عند الحادية عشرة من صباح بعد غد السبت وهي بذلك تستعيد أفكار كتابها المذكور سابقاً.

نقرأ في بيان المحاضرة: "يتم تشجيعنا اليوم على استعراض حياتنا كحياة مليئة بالخيارات. وتبدو هويّاتنا كمنتجات على رفّ سوبرماركت ليتم الاختيار منها. ولكنّ المفارقة تكمن في أنّ هذه الحرية يمكنها أن تولّد التّوتر والإحساس بالذّنب وعدم الانسجام".

بشكل عام، تعمل سالكل على تحليل مبدأ الوفرة في الخيارات والدور الذي تلعبه في المجتمعات الرأسمالية، حيث تنهال علينا من كل زاوية خيارات وقد تحضر معها شعارات من قبيل: "خذ طريقك" أو "كن نفسك"، "لا تترك أحداً يختار بدلك"، غير أن كل ذلك ليس سوى تغذية لأسطورة مفادها أننا نعيش في حرية كاملة، في الوقت الذي تتحوّل فيه هذه التوجيهات إلى سجن كبير، وهي من زاوية تخصّصها في علم الإجماع لطالما أشارت إلى أنه بقدر ما تبدو مسألة الاختيار شخصية وفردية، فإنها في الحقيقة اجتماعية بامتياز، فتوجيه الاختيار من خلال أدوات التسويق والتجميل وغيرها تنتج في النهاية حالة من عدم التغيير الاجتماعي، إذ إن الفائض الظاهر في حرية الاختيار يخفي إمكانية تبلور المجتمع ضمن فئات ذات قناعات مختلفة ومتجادلة.

إلى جانب كتابها الذي تستقي منه محاضرتها، بعد غدٍ، أصدرت عالمة الاجتماع السلوفينية كتباً منها: "غنائم الحرية: التحليل النفسي والحركة النسائية بعد سقوط الاشتراكية"، و"النظرة والصوت كأشياء للحب"، و"نسخ من الحب والكراهية"، و"عن القلق". في هذه الأعمال كثيراً ما صنّفت ضمن الخط الذي يواصل تقاليد النظرية النقدية التي ازدهرت في ألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين، حيث تسند البحث الاجتماعي إلى الفلسفة أساساً.

يذكر أن سالكل انتمت إلى المعارضة الليبرالية اليسارية للنظام الشيوعي في ثمانينيات القرن الماضي. وفي أول انتخابات ديمقراطية في سلوفينيا في نيسان/ إبريل 1990، خاضت الانتخابات البرلمانية السلوفينية وخسرت، وعلى إثر ذلك هجرت العمل في السياسة وانصرفت بالكامل للكتابة والبحث.

المساهمون