ضدّ ضمير المتكلّم

17 مارس 2018
(عمل لـ دلدار فلمز)
+ الخط -

لتفسير ظهور "السيرة الذاتية" كنوع أدبي في الثقافة الأوروبية مع عصر التنوير، اشتغل الباحثان الفرنسيان جاك وإليان لاكارم على الأسباب التي منعت ظهور هذا الشكل من الكتابة العفوية طارحين مصطلح "الأيديولوجيا المضادة للسيرة الذاتية" كمجموعة مركّبات، ذات بنية نفسية واعتقادية، تحول دون "التجرّؤ" على الحديث عن النفس، فهذه الممارسة نوع من خطيئة "عبادة الذات" التي لا يحقّ لأحد اقترافها، والتي باتت ممكنة بعد عصر التنوير مع بداية ظهور فكرة "الفرد".

يرصد الثنائي لاكارم استمرار اشتغال هذه "الأيديولوجيا" لدى أهم كتّاب القرن التاسع عشر، ولم تصبح "السيرة الذاتية" مؤسسة أدبية معترفاً بها إلا في القرن العشرين.

حين نلقي بهذا المفهوم على ثقافتنا العربية سنجد أنه فعل فِعله فيها، غير أن اللافت هو أن جيل مثقفي النصف الأوّل من القرن العشرين، من طه حسين إلى العقّاد وأحمد أمين، قد قدّم نصوصاً كثيرة ضمن جنس السيرة الذاتية، وبعد ذلك الجيل لن نحظى سوى بمبادرات متفرّقة لم تتحوّل إلى معالم أساسية نفهم من خلالها المرحلة، وهي مفارقة في الثقافة العربية، فمن المؤكّد أن "الفرد" وجد مساحة أكبر في التاريخ القريب.

فما الذي يعيق السيَر الذاتية؟ يبدو أن مركّبات لم نتفطّن لها بعدُ تتيح استمرار اشتغال "الأيديولوجيا المضادة للسيرة الذاتية" في ثقافتنا.

المساهمون