في عام 2014، أودى حريق في بيت الموسيقي التونسي الراحل الطاهر غرسة (1933-2003) إلى إتلاف جزء كبير من محتويات مكتبته التي تضمّ تسجيلات نادرة ووثائق تاريخية ومخطوطات حول الموسيقى بالإضافة إلى الكتب ووثائقه الشخصية.
طرحت تلك الحادثة مسائل عديدة حول حفظ تراث الأسماء الثقافية الراحلة، ولكن لم يحدث أن مرّت إلى مستوى عَمَليّ. وبشكل عام، تظلّ الكثير من المكتبات التي تعود لفنانين ومؤرخين وكتّاب معرّضة لنفس مصير مكتبة الطاهر غرسة، ولكن الأمر لا يتعلّق فقط بمكتبات الأشخاص بل بأرشيفات المؤسسات، الثقافية منها على وجه الخصوص.
أوّل أمس، جرى الإعلان في تونس عن إطلاق "المركز الرشيدي للتوثيق الموسيقي" وهي مؤسسة فرعية لـ "الراشدية" أقدم المؤسسات الموسيقية في تونس، حيث تأسّست سنة 1934 ومثّلت أحد أبرز عناوين الهوية الموسيقية والثقافية في تونس زمن الاستعمار، ولاحقاً مثلت إطاراً لحماية التراث الموسيقي التونسي مع انفتاح البلاد على أشكال موسيقية متنوّعة.
ستعمل المؤسسة الجديدة التي تفتتح رسمياً في نيسان/ أبريل المقبل، كما صرّح بذلك مديرها الهادي الموحلي، على عصرَنة التعامل مع الأرشيف الموسيقي للراشدية ورقمنته وتصنيفه، ثم نشره إلكترونياً، وهي خطوة انتظرها مثقّفون منذ فترة طويلة حيث أن مقرّ الراشدية في مدينة تونس العتيقة لم يعد قادراً على توفير عناصر حماية أرشيف المؤسسة وتخزينها على أحسن وجه، في سبيل ضمان عدم اندثار الأرشيف الموسيقي للمؤسسة التي ذهب جزء منها مع احتراق مكتبة الطاهر غرسة.
يذكر أن الأخير كان قد أدار لسنوات طويلة مؤسسة "الراشدية"، وارتبط مشواره الفنّي بها خصوصاً على مستوى محاولته إيجاد سبل لتواصل تمرير التراث الموسيقي التونسي عبر الأجيال، وحسب تقارير التحقيق حول حادثة احتراق مكتبته فإن خللاً كهربائياً بسيطاً هو الذي تسبّب في الحادثة، وهو سبب يمكن لـ"المركز الرشيدي" أن يتجنّبه بتوفير وسائل الحماية العصرية للأصول الورقية والتسجيلات، علاوة على أن وجود نسخ رقمية سيحمي المحتويات في كل الأحوال.