لا يعود الفنان الإيطالي قارم قارت (كارمينيه كارتولانو) إلى بيته في القاهرة، إلا محملاً بالصور، يلتقط العشرات منها للأحياء والأزقة والبيوت والمتاجر القديمة والمقاهي، مكوّناً أرشيفه الشخصي لواحدة من أقدم المدن العربية وأكثرها ازدحاماً والتي يقيم فيها منذ عشرين سنة.
في 2018، قدّم قارت معرضاً من أعمال "البوب آرت" مستنداً إلى صورة القاهرة في أعمال نجيب محفوظ، وفي 2014 قدّم معرضاً آخر حولها بعنوان "إعادة تشغيل" ولجأ فيه إلى فن الكولاج لتشكيل صورة عن مدينة التحوّلات في تلك الفترة الصعبة، كما كتب رواية بعنوان "مصريانو" ترصد تجربته كإيطالي يعيش في القاهرة، جامعاً روح النكتة الإيطالية بالمصرية.
اليوم يعود قارت إلى تصور القاهرة، لكنه هذه المرة يستعيدها من خلال أرشيف سينما النصف الأول من القرن العشرين، وذلك في معرضه المقام حالياً في "المشربية للفن المعاصر" (الغاليري الذي تبنى كل معارض الفنان السابقة أيضاً)، حيث يستمر "مانفيستو لغرافيتي افتراضي" حتى 23 شباط/ فبراير المقبل، ويتضمن أعمال غرافيتي وهمية تضم صوراً لعشرة فنانين هوليووديين وأخرى لعشرة فنانين مصريين.
يقدم قارت في المجموعة الجديدة أعمالاً فنية يجمع فيها شغفه بالتصوير والرسم والبوب آرت وتصميم الغرافيك، وقد استوحى المعرض من صور مجلة قديمة للنجوم حصل عليها وبدأ في رسم صور الفنانين فيها، أحياناً في مشاهد من الأفلام أو لقطات من ملصقات، وأخذ يركّب صور هؤلاء الفنانين على صور فوتوغرافية التقطها لأماكن متفرقة من المدينة.
في البداية كان قارت ينشر هذه الكولاجات على صفحته في فيسبوك، ثم انتبه أن متابعيه يعتقدون أن الصور موجودة فعلاً في المدينة؛ رشدي أباظة وعبد الحليم وشادية وفريد شوقي وعزت أبو عوف، فنانون لهم صلات وثيقة بالذاكرة الجمعية للمصريين، إلى جانب تقديم صور فنانين عالميين من سينما الأربعينيات.
لطالما كان سؤال قارت عن القيم التي تمثلها الرموز، وإن كانت مستمرة في حياة المصريين اليوم. فعل ذلك في معرضه الذي استند إلى الطربوش في مجموعة من لوحات البوب آرت، مسائلاً رمزية الطربوش (سي السيد) وإن كانت السلطة الذكورية قد تلاشت مع تلاشي الرمز أم أنها فقط تبنت رموزاً جديدة.
ويفعل ذلك اليوم من خلال السينما، فسينما اليوم لا تحظى بنفس التقدير عند المصريين مثلما كانت في بداياتها، فهل ما اختفى هو شكل السينما آنذاك فقط أم أنها قد فقدت قيمتها كفن في الوعي الجمعي، ولم يتبق منها إلا ذكراها التي يشار إليها بعبارة "الزمن الجميل".
لم يتمكن قارت من تحويل العمل الافتراضي الذي قام به إلى واقع، كان يريد فعلاً أن يرسم الغرافيتي للفنانين على الجدران، لكن الأمر يستلزم تصاريح وأذونات من أصحاب الأبنية إلى جانب الحاجة إلى مساعدة من فنانين آخرين، كما يقول في لقاء أجري معه قبيل المعرض، فتوقفت الفكرة عند حدودها الافتراضية ولم تتحقق في شوارع القاهرة الحقيقية.