"الأوديسة العراقية": بلد تقاسمته القارات

19 فبراير 2015
لقطة من الفيلم
+ الخط -

في معالجته لموضوع عراقيي المنفى في فيلمه "الأوديسة العراقية"، لا يستعين المخرج سمير جمال الدين بأي تمهيد، بل يلج موضوعه مباشرة، ومنذ اللحظة الأولى، فيقدّم مجموعة مآلات فردية تحمل في جوهرها سمات النكبة العامة.

الشريط، الذي تتجاوز مدته الساعتين والنصف، أشبه برحلة استكشافية يقوم بها صاحب "انسَ بغداد"(2002)، للتعرف إلى قضايا وأسئلة أفراد عائلته الكبيرة الذين يتوزّعون في قارات أربع ويتحدثون بلغات مختلفة.

صحيح أن جمال الدين يعرف قصص أقاربه، إلا أنه يبدو وكأنه يحتاج إلى قصة منطقية، ذات بداية ونهاية، تربط الشخصيات التي اختارها لتقوم بفعل السرد، علماً أن كل حدث وتفصيل مهم في حياة شخصياته يُظهر ارتباطاً عضوياً بحدث مفصلي في تاريخ العراق الحديث.

هكذا إلى أن نصل المشهد الأخير في الفيلم، عندما تحضر العائلة إلى بيته في سويسرا، وتشاهد المادة التي صوّرها، فيبدو أفراد العائلة، بأجيالهم المختلفة، وكأنهم لا يشاهدون أنفسهم بقدر ما يشاهدون وثيقة ذاتية عن تاريخ العراق منذ مطلع القرن العشرين حتى اليوم.

أما توظيف مخرج "بابل 2" (1993) لكمٍّ من الوثائق والصور الأرشيفية في شريطه الأخير، فهدفه تشكيل سردٍ بصري متوازٍ مع سِير الشخصيات الآخذة بالتداخل الزماني والتباعد المكاني لحظة تلو الأخرى.

سرد لا يأخذ علاقة منطقية وسببية، كما في سرد الشخصيات لسيرها، بل يبدو أكثر ذاتية، قادماً من وعي المخرج نفسه، وربما من أحلامه وكوابيسه عن تلك البلاد أحياناً، فيقدّم في السياق نفسه مقاطع من أفلامه السابقة وصوراً لبيت العائلة في العراق والكتب المدرسية التي احتفظ بها عندما هاجر مع عائلته إلى سويسرا..

وقد جنّب هذا الكم من الوثائق والصور الذاتية الفيلم من الوقوع في مطب المباشرة أو العاطفية الزائدة والكليشيهات الجاهزة في الحديث عن الحنين والغربة والوطن. حتى أن طريقة تقديم هذا الأرشيف البصري والعبث بالخلفية السوداء أظهرا الشخصيات وكأنها جزء لا يتجزأ من اللوحة العامة، أي أنها لا تعلّق على الحدث الماضي أو تأخذ موقفاً منه بقدر ما تعيش فيه.

ولا شك أن رغبة المخرج في سرد سيرة شخوصه كما يشاء، هي التي دفعته إلى جمع ذلك الأرشيف الضخم، والتلاعب بالخلفيات ووضع ترجمة صوتية فورية إلى الإنجليزية، تداخلت أحياناً مع اللغات الثلاث المنطوقة في الفيلم لتعبّر عن مصير هذه العائلة الكبيرة بوصفها عائلة عراقية ترى مآسيها الخاصة عبر المآسي العامة وليس العكس.

كما تظهر الأغنية، التي وظّفها جمال الدين في مواضع عديدة من الفيلم، كوسيلة إنسانية للاحتيال على الزمن، أو كإرث الفرد من الأمكنة والأحداث التي كلّما ابتعد الفرد عنها زمانياً أو مكانياً تعقدت علاقته بهذا الإرث. ولا يتردد المخرج في الكشف عن طبيعة علاقته بإرثه الموسيقي عندما يقول في الفيلم: "أتمنى أن تفهم ابنتي يوماً لماذا كان والدها يسمع موسيقى "غريبة".

المساهمون