"الرباعيات" في سبع ترجمات أردنية.. لكل مترجم خيّامه

01 فبراير 2018
(تمثال عمر الخيّام في نيسابور مسقط رأسه)
+ الخط -

في رصد الترجمات العربية لـرباعيات الخيّام، تبرز ملاحظتان أساسيتان تحيلان إلى إشكاليات العلاقة بين الثقافة العربية وثقافات الجوار؛ فارسية وتركية وكردية على وجه الخصوص، إذ تأخّرت معرفة الأثر الأبرز في الأدب الفارسي عربياً أكثر من نصف قرن من الزمن عن اكتشافها أوروبياً حين ترجمها الشاعر الإنكليزي إدوارد فيتزجيرالد (1809 – 1883)، أي بعد حوالى ثمانية قرون على كتابتها.

من جهة أخرى، فإن عشرات المترجمين العرب لها اعتمدوا لغاتٍ وسيطة كالإنكليزية والفرنسية، ولا يزال الأمر على حاله حتى مع العديد من الترجمات الحديثة، لكن ذلك لا يحجب الاهتمام الشديد بنقلها إلى العربية ووضع العديد من الدراسات حولها، آخرها كتاب "الترجمات الأردنية لرباعيّات الخيّام" للناقد والأكاديمي يوسف بكار (1942)، الصادر حديثاً عن دار "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان.

لا يفوّت صاحب "حفريات في تراثنا النقدي" الإشارة في المقدمة إلى أنه "ليس ثمة ديوان كامل منفرد متفق عليه عنوانه "رباعيّات الخيّام"، لأنه لا يُعرف -إلى الآن- لا عدد الرباعيات ولا الصحيح من المنحول منها، إلى عمر الخيّام"، موضّحاً أن نسخها المختلفة في أعدادها تصل إلى الآلاف والتي ازدادت بعد رحيله، وبذلك فإن ما ترجم منها يقع في عداد المختارات.

يتناول بكار المتخصّص بالأدب القديم والدارس للغتين الفارسية والإنكليزية، سبع ترجمات أردنية للرباعيات لكلّ من مصطفى وهبي التل "عرار" (1899-1949)، وعيسى الناعوري (1918-1985)، ونويل عبد الأحد (1939- 2007)، وتيسير سبول (1939-1973)، ومحمود بدر شلباية (1941-1977)، ومحمد الظاهر (1950)، إلى جانب ترجمة للمؤلّف نفسه، مضمّناً نصوصها المترجمة ونصوصها الأصلية كلما كان ذلك ممكناً.

في الفصل الأول، يعرض صاحب "غزل المكّيين في العصر الأموي" لأكثر من مسألة، فالحديث المرسل لمجايلي عرار وبعض دارسيه حول إتقانه الفارسية والتركية لا يصمد مع اعتراف الشاعر نفسه ".. لست متضلعاً من الفارسية لدرجة تجعلني أسلم من العثار في النقل، فمعرفتي لغة الرباعيات تنحصر في إتقاني قواعدها الصرفية والنحوية فقط...".

يتتبع المؤلّف صلة التل بالخيام ليس فقط في ثلاث مقالات كتبها عنه عرّج فيها على شعره الذي كان يفتخر بتمثّله وتمثّل آراء صاحبه بالشراب والأصدقاء والوجود، بل يتقصّى ذلك السجال الذي قام بينه وبين الكاتب اللبناني أمين نخلة على صفحات مجلة "منيرفا" البيروتية، لأن ترجمة الأخير لإحدى عشرة رباعية لم تنل إعجابه، ليصحّحها عبر ترجمته بعضها.

منذ تلك اللحظة، بدأ اهتمام صاحب "عشيات وادي اليابس" يتضاعف بالشاعر الفارسي، فنشر أكثر من مختارات مترجمة له، لتنتهي بعدها المساجلة مع نخلة، ويتوقّف كلاهما عن ترجمة الرباعيات، حتى اكتشف المقرّبون مخطوطاً لعرار يضمّ 155 رباعية من ترجماته.

في ضوء ذلك، يراجع بكار عثرات وهنات عرار في الترجمة بسبب عدم إلمامه الكافي باللغة الأصل، ولأنها جاءت في بواكير تجربته الكتابية في مطلع عشرينيات القرن الماضي، لكن يحسب لها أن جاءت ضمن الترجمات العربيات المبكرة للرباعيات، وأنها كانت عن الفارسية (مع الاستعانة بالتركية) ولم تكن عن لغات وسيطة كما فعل وديع البستاني وعيسى إسكندر معلوف وأحمد حافظ عوض وغيرهم.

أما عيسى الناعوري فترجم مختارات ونشرها في مجلة "الأديب" اللبنانية عام 1945، وقدّم لها "هذه ثماني رباعيات جديدة وردت في طبعة للرباعيات أخرجها المستشرق الإنكليزي آرثر جون آربري عام 1949"، وأنه نقلها عن مترجمها إلى الإيطالية المستشرق إسكندر باوزاني الذي قال إنها كانت مجهولة قبل اكتشاف آربري، ما يفنّده بكار حيث أنها وجدت جميعها قبل ذلك.

ولأن الناعوري، بحسب الكتاب، كان قد حقّق ترجمات عرار قبل دفعها إلى النشر فإن ذلك قد يكون سبباً في اعتماده على لغة نثرية في ترجمة الرباعيات والتي رأى حينها أنها "أقدر على المحافظة على نقل التعبير الأصلي، والروح، والمعاني التفصيلية، والأسلوب بدقة أكثر وأمانة أوفر".

المترجم نويل عبد الأحد المولود في مدينة بيت لحم والذي انتقل من عمّان إلى دمشق مرتحلاً عنها إلى الولايات المتحدة حيث رحل فيها، كان قد "ترجم الرباعيّات الفيتزجيرالدية الخمس والسبعين (الطبعة الأولى) نثراً، وقدمّ له الأديب السوري شفيق جبري وصدرت عن "مطبعة الحياة" الدمشقية عام 1958"، كما يورد الكتاب.

يصف بكار ترجمات عبد الأحد بأنها تتفاوت في مستواها، فيها الدقيق الحرفي وغير الحرفي، وفيها ما جانبته الدقة، وما تصرّف بها المترجم كثيراً أو قليلاً، وأن بعض مقاطعها تجور على جوهر الفكرة وفلسفتها.

مقابل مختارات صدرت في كتب لعرار والناعوري وعبد الأحد، فإن محمد الظاهر ترجم عشر رباعيات فقط ونشرها في جريدة "الرأي" الأردنية عام 1967، والتي يرى المؤلّف أنها "نثرية حرفية معجمية إلى حد بعيد" ولم يلتفت إليها أكثر من ذلك، مكتفياً بذكر ثلاثة مواقع تبيّن اختيار المفردة من القاموس والتي تظهر غير المعنى والمقصد الذي أراده الخيّام.

من جهته، التفت تيسير سبول إلى الرباعيات في أواخر حياته، حيث نشر ستّاً منها في "مجلة التلفزيون الأردني" عام 1972، وتابع بعد ذلك الترجمة ونشرها أربعاً أربعاً حتى وصل مجموعها إلى 35 جمعها سليمان الأزرعي ونشرها ضمن أعمال سبول الكاملة عام 1982.

يلفت بكّار إلى أن اختيارات صاحب "أنت منذ اليوم" للخيام تحوم حول فلسفة الفناء والموت وزوال الحياة، أو تلتقي مع نزعاته في الوجود وعذاباته، كما يوضّح باستعراض عدّة نماذج كيف أثّرت الرباعيات على كتابته الشعر، وأنه رغم نقله لها من الإنكليزية إلا أنه كان واعياً لأسلوبيتها في لغتها الأم، لكنه غيّر المعنى في بعضها لأنه لم يتفق مع رؤيته هو، لذا دعاها "خيّاميات تيسير سبول".

في مختارات محمود بدر شلباية التي صدرت عن دار "أمواج" العمّانية عام 2013، اعتمد صاحبها على الترجمة الإنكليزية لروبرت غريفز، وهي منظومة على بحر المتقارب (مع بعض الكسر فيها) وبعضها الآخر منثور، وأن الجهد المبذول عليها لا تحجب الحرفية التي تطغى عليها مع كثير من التكلّف، بحيث تكاد الشعرية وجماليات الشعر تكون قليلة، وفق الكتاب.

ترجم يوسف بكار عشرين من الرباعيات عن الفارسية، مشيراً في سطور معدودة أنها "ترجمة معنوية دقيقة كل "شطر" في "سطر"، وألحقت بها أصولها الفارسية دون تخوّن، وحافظت على فكرة كلّ منها وبؤرتها المركزية التي هي عماد "فن الرباعي" في مهده الأول، وليس كما فُهم بغير هذا في جلّ الترجمات العربية لأعداد من رباعيّات الخيّام سواء عن لغتها الأم أم غيرها".

يروي بكار في كتابه هذا رحلته مع الخيّام لأكثر من ربع قرن؛ إذ تقصّى أعماله بالفارسية والعربية، وأخباره في التراث، والدراسات المعاصرة حوله، وتأثراته بالعربية وتأثيراته فيها، وأصدر حوله خمسة كتبٍ، هي: "الأوهام في كتابات العرب عن الخيام" (1988)، و"الخيام والرباعيات في أثر الدارسين العرب" (1988)، و"جماعة الديوان والخيام" (2006)، و"الخيام: أعمال عربية وأخبار تراثية" (2012)، و"في دائرة المقارنة: دراسات ونقود" (2013).

المساهمون