ومن المحتمل أن يكون الأمر ردة فعل على مواقف يوسا الأخيرة ضد الحكومة الفنزويلية الحالية التي تمثل أحد أبرز الاتجاهات اليسارية في أميركا اللاتينية. ففي زيارته الأخيرة لفنزويلا وجه يوسا نقداً لاذعا للرئيس الحالي ماذورو وللرئيس الراحل تشافيز؛ ما أغضب قطاعات شعبية كثيرة، في فنزويلا وخارجها، ما زال تشافيز يحظى بشعبية كبيرة لديها.
ورغم تظاهر "يوسا" بعدم الاكتراث، إلا أنه رفض التحدث مع الصحافة بعد انتهاء ذلك الحوار، وبان عليه الغضب الشديد.
لكن هذا لن يمنع الروائي الذي أتم الـ 78 عاماً من إعلان عزمه التمثيل من جديد في عمل مسرحي كتبه مؤخراً هو "حكايات الطاعون"، وذلك بعد تجارب سابقة له كممثل في أعمال مسرحية من كتابته.
وكان "يوسا" قد صرَّح في وقت سابق إنه سيتدرّب على دوره في المسرحية بين الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل وحتى منتصف كانون الثاني/ يناير 2015، على خشبة "مسرح إسبانيا" في مدريد.
لكن الكاتب الذي عرف عنه تخبّطه في مواقفه السياسية ذات الطابع اليميني غالباً، يبدو متردّداً أيضاً في مشروعه التمثيلي، إذ قال إنه من الممكن أن يجهض المشروع إذا لم تسعفه ذاكرته في تذكّر حواره المسرحي: "سأتدرّب على العمل، لكنني اتفقت مع المخرج أنني لن أصعد خشبة المسرح إن خانتني الذاكرة، إذ سيصبح الوضع كارثيّاً"، وفقاً لصحيفة "إل تيمبو" الكولومبية.
لم يعرف عن يوسا انحيازاً للقضايا العادلة، فهو مثلاً "صديق لإسرائيل" كما يصف نفسه، وحاز جائزة القدس الصهيونية عام 1995، وكان من مستقبلي شمعون بيريز في معرض الكتاب في جوادالاخارا 2013 (أكبر معرض كتاب في العالم الناطق بالإسبانية). بل ويوسا نفسه أحد عرّابي صفقة الاحتفاء بـ"إسرائيل" كـ"ضيف الشرف" في المعرض المذكور العام الماضي. وفي السياق الأميركي اللاتيني، أقل ما يقال في مواقفه أنها تتسم باليمينية والليبرالية السياسية.
من الطبيعي إذن أن يقارن القارئ والمواطن اللاتيني بين موقف كل من الروائييّيْن الحاصليْن على نوبل للآداب والمفترقيْن في طريق السياسة؛ يوسا وغابرييل غارسيا ماركيز. إلى درجة أن منتمي اليسار في أميركا اللاتينية صاغوا شعار "لنا ماركيزنا ولهم يوساهم" تعبيراً عن امتعاضهم من مواقف يوسا.
لعنة ماركيز ستظل تلاحق يوسا الذي بدا مستاء الشهر الماضي من أسئلة الصحافيين التي تمحورت حول "شعوره بعد فقد ماركيز"، مكتفياً بقوله: "قلت كل ما عندي".
الأمر الآخر الذي سيشترك به يوسا مع ماركيز إضافة لـ"نوبل" هو أنه قرر أن يموت دون أن يبوح أبداً بسر اللكمة التي وجّهها لماركيز قبل عقود وبقي سببها موضع تكهنات وإشاعات.
رغم جائزة نوبل وبقية الأمجاد التي وصل إليها يوسا، فالأرجح أن المكانة التي نالها صاحب "مئة عام من العزلة" ستظل ممتنعة عليه، وأنه سيظل في أذيال ماركيز؛ صديق الشعوب المظلومة وشهرزادها.