تقف هذه الزاوية مع مترجمين عرب في مشاغلهم الترجمية وأحوال الترجمة إلى اللغة العربية اليوم.
■ كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- رحلة العشق بيني وبين الترجمة بدأت منذ الطفولة؛ إذ رحتُ أُترجم قصص أطفال إلى العربيَّة من الفرنسيَّة فيفرح بها أصدقائي، إلى أن التحقت بمدرسة التَّرجمة في "جامعة القدّيس يوسف" ببيروت، بغرض صقل موهبتي وامتهان الترجمة الفورية. وأوّل عملٍ كرّسني مترجمةً محترفة كان تعريب كتاب "أجل نحن الزمن" للمطران فارتان أشكاريان من الفرنسيَّة، ونلتُ به جائزة " الكلمة الملكة" من الشاعر سعيد عقل، وكذلك عن ديوان "شدو العناقيد" عام 1997، ثم كرّت السبحة.
■ ما هي آخر الترجمات التي نشرتِها وماذا تترجمين الآن؟
- آخرها كتاب "هُتافُ الرُّوح"، صدر بنشرٍ مشترك بين "جامعة القدّيس يوسف" و"دار المراد"، وتضمَّن دراسة حياة الشُّعراء الأرمن بالإضافة إلى تعريب لأجمل قصائدهم. وكان لي قبله أنطولوجيا "شعراؤنا: صانعو مجد أرمينيا"، وتناولتُ فيه مراحل تطوّر الشعر الأرمني من خلال مبدعيه من الشُّعراء الأرمن الأوائل منذ القرن الخامس، مع سِيَر حياتهم ورسومهم الشخصيَّة، وزيَّنتُ الكتاب بأبهى اللّوحات الزيتيّة لعباقرة أرمن في الفن التشكيلي العالمي. ولطالما أسعدني أن أكون جسر تواصلٍ بين الحضارتين الأرمنية والعربية.
■ ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- عدم التقدير والاكتراث بعملٍ رصين يتفانى المترجم لتأديته، وتجاهل دوره الثقافي في نشر الأعمال الفكريّة التي كانت لتبقى لولاه حبيسة لغةٍ صدرت بها، ناهيك عن ممارسات بغيضة أحياناً تبعده عن ميدان العمل لصالح دُخلاء يستولون على مناصب لا يملكون حقّ اعتلائها! ولعلّ أبرز العقبات هو مساومته على بدلٍ مستحَقّ بطريقةٍ مجحفة في أغلب الأوقات.
■ هناك قول إن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟
- على المترجم أو الكاتب مراجعة نصوصه المكتوبة أو المترجمة تداركاً لأخطاء وقعت سهواً. شخصياً، لا بدّ من قراءة نصّ كتبته أو ترجمته لأكثر من مرَّة، قبل نشره. وأنا لا أسلّم أي مخطوطٍ للنشر قبل عرضه على المدقّق اللغوي الذي لا يصطاد إلا هفواتي اللغوية إن وُجِدَت، وليس أسلوبي الخاص الذي لا أقبل المساس به لأنّه جزءٌ من شخصيّتي الأدبيّة.
■ كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- علاقتي ممتازة مع أي ناشر وخصوصاً "دار المراد" التي تعتني بالمضمون الموازي لشكلٍ أنيقٍ مشغول بأناملَ رشيقة. ونتبادل معاً الآراء حول تفاصيل دقيقة؛ مثل نوعية الحرف والورق والحجم والإخراج والعناوين، وأنا منفتحة على الرأي الآخر حين يأتي من طرفٍ ملمّ بالحقل الأدبي والفكري والنشر عموماً.
■ هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- أرفض الانصياع لسياساتٍ تقيّد اختياري لموضوعاتٍ لفتتْ فكري، وحرّكت لدي الرَّغبة في الترجمة أو الكتابة. وحدث أن واجهتني آراء مناهضة لدى ترجمة كتاب "شعراؤنا" إزاء بعض شعراء الأرمن، ولكني أنجزتُ عملي بصمت من دون أن أُكلّف ذاتي عناء الردّ، فالأمانة للنص هي الشرط الأساس لنجاح العمل، ولا بدّ من أن يلجم المترجم ميوله السياسية عند الترجمة، فهو ناقلُ الفكرة وليس قوّاماً عليها.
■ كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
- أبني علاقتي مع الكاتب من خلال كتابه فأغوص في بحر عالمه الواسع، وأرتشف كلماته لتنصبَّ في داخلي وتتحوّل شيئاً فشيئاً إلى صورةٍ تتقارب في مضامينها وألوانها وعمقها وطعمها من التي يملكها المؤلّف، باستخدام أدوات الترجمة السابرة للأعماق الدفينة وهي اللُّغة المتينة، الصادقة التعابير في الأصل والمنقول لتؤدي مَهمَّتها في جودة الترجمة.
■ كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟
- كلّ مترجم هو كاتبٌ، فلكي تعطي النصّ المترجَم حقّه لا بدّ مِن أن ترتقي إلى براعة مؤلّفه في ترجمتك إلى اللغة الهدف، وهذا أمر يصحّ خصوصاً في ترجمة الشعر التي تتطلّب من المترجم التحوّل إلى شاعرٍ قادرٍ على نقل أحاسيس صاحب النصّ، فإن لم تكن بمستوى من تُترجم له لغوياً أخفقت في المهمّة. من هنا لا يمكن الفصل بين الكتابة والترجمة؛ فأنا مزيج متكاملٌ من الاثنين.
■ كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- لا أؤمن بمعظمها لأنها للأسف قائمة على حفلة "علاقات عامة"، فكم من ترجمةٍ رائعة قرأتها لم تحصد جائزةً وكم من عملٍ هزيل انتزع جوائز غير مستحقة! والجوائز في أيامنا هذه، سواء في الترجمة أو الأدب، أشبه بالوجبات السريعة، خصوصاً حين لا تقوم على معايير علمية ومناقبية عالية، فكيف يَحكُم على الترجمة مَن لا يجيد اللغتيْن، المُترجم منها وإليها، بمهارة، ومَن لم يكن متبحّراً في اللغات وآدابها؟
■ الترجمة إلى العربية غالباً هي مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- بصراحة، نحن في العالم العربي لا نترجم ربع ما يترجمه الغرب، ومقصّرون في ترجمة روائعنا وتصديرها إلى الأجانب، كما أغلب الترجمات عندنا هي من اللغات الأجنبية إلى العربية وليس العكس، مع أنّ النتاج الأدبي العربي لا يقلّ جمالاً عن الأجنبي، وعلى الدول دعم الترجمة؛ فالمجهود المؤسساتي في هذا المجال غير كافٍ مع أنّ دور الترجمة أساسي في نقل حضارتنا العربية إلى مجتمعاتٍ وثقافات أخرى. ما ينقص إذاً هو دعم الدولة لمشروعٍ حضاريّ بامتياز وتبنّيها ترجمة أفضل الأعمال الأدبية والفكرية إلى اللغات الأجنبية مادياً ومعنوياً.
■ ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- أهمّ مبدأ هو الجديّة في العمل والاهتمام بأدنى تفاصيله والحرص على أمانة النقل بلغةٍ لا تشوبها شائبة. أما عاداتي التي لا أتخلّى عنها فهي التأنّي في قراءة النص بالكامل أولاً، للتشبّع من روحه والأفكار الواردة فيه، ثم وبعد الانتهاء من الترجمة إعادة قراءة العمل لأكثر من مرّة، وفي فتراتٍ زمنية متباعدة، للتخلّص من أي أثر للنقل إلى لغةٍ أخرى، بحيث لا يشعر القارئ بأنّ ما يطالعه نصٌّ كُتِب سابقاً بلغةٍ أخرى، بل كأنّه صيغ أساساً بلغة الضاد وتلك ميزةٌ لا أتهاون في تطبيقها إطلاقاً.
■ كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لم أندم على ترجمة أي نصّ أو روايةٍ أو قصيدة، بل أنا سعيدة بكلّ ما ترجمته عموماً، وراضية عمّا بذلته من مجهود في سبيله وبما حصدته من أصداءٍ إيجابية حوله.
■ ما الذي تتمنّينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟
- أتمنّى ترجمة المزيد من الروائع الخالدة والمعاصرة. أما حلمي كمترجمة فهو أن تتحوّل بيروت إلى مركز إشعاع للترجمة ونقل ثقافتنا الجميلة إلى مختلف أصقاع العالم، لأنّ أدباءنا وشعراءنا ومفكّرينا يستحقون منّا هذا المجهود.
بطاقة
كاتبة ومترجمة لبنانية. خرّيجة مدرسة الترجمة الفورية بجامعة القديس يوسف. لها مؤلفات مختلفة في تعليم اللغات والأمثال المقارنة وأدب الطفل؛ مثل: "معجم الهادي في المترادفات والمتجانسات"، و"كنز المعرفة". ومن ترجماتها: "أجل نحن الزمن" لـ فارتان أشكاريان، و"أثلام الأمس" لـ أنتانيك غرانيان، و"هتاف الروح" الذي ترجمت فيه قصائد للشعراء الأرمن، إضافة إلى أنطولوجيا للشعر الأرمني بعنوان "شعراؤنا".