"الذين يملكون والذين لا يملكون": اللامساواة على مدى طويل

27 ديسمبر 2018
برانكو ميلانوفيتش
+ الخط -
مع ظهور الحركات العمّالية في القرن التاسع عشر في أوروبا، أخذت مسألة اللامساواة موقعاً أساسياً على خريطة الفكر في العالم. بدأ ذلك من داخل المجتمعات الأوروبية ضمن تقسيمات طبقية، ثم أخذ أبعاداً أشمل حين توسّع للحديث عن اللامساواة بين الشعوب أيضاً. حديث كثيراً ما تداخل مع تخصّصات معرفية عديدة، من الفلسفة إلى العلوم السياسية، مروراً بالاقتصاد والفن.

ضمن سلسلة "ترجمان"، صدر مؤخّراً عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" كتاب العالم الاقتصادي الصربي الأميركي، برانكو ميلانوفيتش (1953)، "الذين يملكون والذين لا يملكون" وقد حمل عنواناً فرعياً؛ "تاريخ مختصر وخاص للامساواة العالمية". صدر الكتاب بالإنكليزية أوّل مرّة سنة 2010، وقد بدا عملاً أراد صاحبه أن يغادر خطاب رجال الاقتصاد المتعالِم بتقديم نفس الإشكاليات عبر لغة تصل إلى أي قارئ.

هكذا، لا يعود ميلانوفيتش في الكتاب إلى النظريات الاقتصادية وحدها، بل أيضاً إلى التاريخ والأدب لتوضيح أسباب عدم قدرة العلماء على تفسير اللامساواة في انتشار الثروة في العالم، كما يضيء نزعة التبرير التي يجري تناول المسألة بها، وتأثيرها السلبي في التوقّعات الاقتصادية، وإمكانية تهديدها السلم الاجتماعي.

العمل، الذي نقله إلى العربية وليد أبو بكر، ذو بناء طريف؛ حيث يحتوي على ثلاثة فصول أشبه بمقالات، نجد معها مقالات فرعية وُضعت في خانات مستقلّة، فمثلاً يبحث الفصل الأول، "أناس غير متساوين - اللامساواة بين الأفراد في داخل الأمة"، في كيفية تغيّر اللامساواة مع مستوى الدخل في المجتمع، وتأثير اللامساواة في الكفاءة الاقتصادية، ومسألة اللامساواة والعدل الاقتصادي، وقياس اللامساواة. ومعها نجد عشر لافتات، منها: "الرومانسية والأغنياء"، و"من هو الأكثر غنى عبر العصور؟"، و"هل كانت الاشتراكية عادلة؟"، و"في أي دائرة باريسية عليك أن تسكن في القرن الثالث عشر واليوم؟"، و"هل ستتمكن الصين من البقاء حتى عام 2048؟".

الفصل الثاني بعنوان "أُمم غير متساوية - اللامساواة بين البلدان في العالم"، وفيه تظهر أكثر الأدوات العلمية التي يستند إليها المؤلّف؛ حيث يدرس طرائق قياس اللامساواة، من خلال مؤشّرات عدّة، مثل تعداد السكّان وعلاقة ذلك بالناتج المحلّي والدخل الفردي. ومن المقالات الفرعية في هذا الفصل نقرأ: "لماذا انتهى ماركس إلى الخطأ؟"، و"ما هي نسبة دخلك المقررة لحظة الولادة؟".

أما الفصل الأخير، "عالم غير متساو - اللامساواة بين المواطنين في العالم"، فيتناول صعوبة مقارنة اللامساواة بين الأفراد في داخل الأمم مع اللامساواة بين الأمم، ثم تقدير مدى اللامساواة العالمية بين المواطنين كلّهم في العالم، وهو موضوع يصبّ مباشرة في قضايا العولمة كمبحث يشغل الاقتصاديين وعلماء الاجتماع والجيوبوليتيك منذ قرابة عقدين، ويضيف ميلانوفيتش إلى ذلك استشراقاته في ما يخصّ تطوّر اللامساواة العالمية على المدى الطويل.

وصول مؤلّفات كهذه إلى اللغة العربية يُعدّ أحد طرق اندماج الفكر العربي في مواضيع جدّ راهنة، خصوصاً أن مسألةً مثل اللامساواة أساسية عند النظر إلى واقع البلدان العربية.
المساهمون