عرفت الأربعينيات من القرن الماضي في لبنان، ظهور مطربات احترفن الغناء وامتلكن أصواتاً قوية، كلّ واحدة منهن كانت تتمتّع بخصوصية في الشخصية والصوت والقدرات، ولكن الحظ لم يحالف منهن الكثير، رغم مقدراتهن الرفيعة في الطرب والتطريب.
نذكر من هذه الفنانات نور الهدى، وصباح، وسهام رفقي، ونورهان، ونهوند، وسعاد محمد، ونجاح سلام، ونازك، وزكية حمدان، وحنان، وأوديت كعدو، وبهية وهبي التي ولدت من أم لبنانية وأب سوري، وكانت تعرف باسم الآنسة بيبي، ثم أصبحت تُعرف بـ "وداد" غيّرت اسمها بعد أن تزوجت الموسيقار توفيق الباشا.
تحت عنوان "وداد مطربة لم تأخذ حقّها" يُلقي الباحث والنقاد الموسيقي إلياس سحاب محاضرة، مصحوبة بأمسية سماع، عند السابعة من مساء الإثنين، الأول من نيسان/ أبريل المقبل، في المكتبة العامة لبلدية بيروت (الباشورة).
هربت وداد (1938-2010) وهي مراهقة من بيت عائلتها مع عازف القانون في جوقة أم كلثوم، محمد عبده صالح، وتزوجته في القاهرة، لكن والدها رفع دعوى قضائية أعادتها إلى بيروت، حيث تابعت الآنسة بيبي الغناء في كازينو طانيوس في حمدون، وغنّت في أفضل صالات دمشق وبيروت وحلب، وفي معظم الإذاعات، وعُرفت بأداء أغنيات كوكب الشرق أم كلثوم.
لحّن لوداد الموسيقيون محمد محسن وسامي الصيداوي وعفيف رضوان وزكي ناصيف وسيد مكاوي وعدنان أبو الشامات وسليم سروة، وكذلك لحّن لها الموسيقار رياض السنباطي أغنية "إنت عارف معنى حبي".
في مقال مطوّل عنها، يقول سحاب "إنها تملك صوتاً يتميّز بالشفافية والحساسية الهادئة والعميقة"، ساعدها تمرّس قوي وفطري بمقامات الموسيقى العربية، يبدو واضحاً سواء عند استمرارها في الغناء على مقام موسيقي معين أو عندما تنتقل بين مقامات مختلفة".
ويرى أن "قيمة صوتها وأدائها أعلى من الشهرة التي عرفتها"، وأن زيجاتها الثلاث التي كان يفترض أن تفتح لها مزيداً من الآفاق في عالم الغناء قد تكون تسبّبت في العكس.
زواجها الأول كان من صالح، ومن ثمّ من أمير الزجل اللبناني عبد الجليل وهبي، وزواجها الثالث كان من توفيق الباشا المؤلّف الموسيقى وقائد الأوركسترا، ويضيف سحاب إن "المقام العربي ينطلق من حنجرة وداد كما النبع الصافي"، وكان عبد الوهاب قد سمعها تغني وهي ابنة أحد عشر عاماً وطلب من والدها أن يتبناها فنياً قائلاً "دي بتغني إزاي؟ أنا عايز أطلعها من بيتي بنت عبد الوهاب، لكن والدها رفض عرض عبد الوهاب مرتين.
يتابع "بين أجمل ما شدت به وداد، لحن كبير لزكي ناصيف "في وردة بين الوردات" وآخر لتوفيق الباشا "لي حبيب"، إضافة الى أدائها المميز للصيغة المعاصرة لموشح "لما بدا يتثنى". أما سامي الصيداوي فلعلّه أكثر من اخترق بحساسيته المرهفة كملحن، أعماق الحساسية في حنجرة وداد كما في أدائها الغنائي، في أغنيات رائعة وشهيرة مثل "بتندم"، و"يا ناعم".
ويرى سحاب أن "تمرس وداد في المقامات العربية يبدو واضحاً سواء عند استمرارها في الغناء على مقام موسيقى معين، فتبدو كل جماليات هذا المقام مجلوة على أحسن صورة في أدائها، أوعندما تنتقل بين المقامات الموسيقية المختلفة، ببوصلة إحساسها البالغة الدقة. حتى أذكر انني قلما استمتعت بجماليات مقام النهاوند الشجي كما فعلت وأنا استمع الى أداء وداد".