أحمد زويل: سيرةٌ مضادّة للأساطير العربية

03 اغسطس 2016
(1946 – 2016)
+ الخط -
المتتبّع لسيرة العالم المصري الأميركي، أحمد زويل (1946 – 2016)، الذي رحل مساء أمس، إمّا من زاوية حياته العلمية وكتاباته وأبحاثه ومحاضراته، أو من زاوية مساهماته في الواقع المصري ما قبل وما بعد 25 يناير، يجد بوضوح عالِماً تحرّر من النطاق الضيق والنخبوي لتخصّصه العلمي، ليبدو أقرب إلى صفة المفكّر العضوي الذي يقدّم رؤيته لبناء نهضة علمية عربية.

يمكن ملاحظة ذلك من كتابيه السيريّين "رحلة عبر الزمن" و"عصر العلم". في الأوّل يحكي، بتفصيل دقيق، سيرة حياته وصولاً إلى حصوله على جائزة نوبل في الكيمياء، عام 1999، وهي السيرة ذاتها التي قدّمها مختصرةً في النصف الأول من كتابه الثاني، فيما قدّم في نصفه الآخر مقالاته ومحاضراته والحوارات التي أُجريت معه.

في ما يخص هذا الكتاب تحديداً تبرز ملاحظتان أساسيتان: أولاها أن الكتاب حقّق رواجاً كبيراً منذ طبعته الأولى في 2005، وصولاً إلى طبعته الثانية عشرة، وهو ما يُعدّ رقماً كبيراً في سوق النشر العربية، خصوصاً أن عنوانه يُمكن أن يكون منفّراً للبعض.

لا يخفى أن لاسم صاحبه تأثير كبير على رواج الكتاب، وخصوصاً أنها رؤية للعربي الوحيد الذي حاز نوبل في تخصّص علمي، ما يُعطيه مشروعية مبدئية ليقدّم أطروحاته الخاصة بمشروع النهضة العربية، وهو ما يقودنا إلى الملاحظة الثانية التي يثيرها الكتاب الذي يعكس إحاطة صاحبه بأوجاع منطقته العربية، وامتلاكه رؤية لمشروع نهضة يبدو العلم في قلبها، استناداً إلى روح العصر التي تقوم على التقنيات الحديثة وتكنولوجيا النانو والذكاء الاصطناعي وغيره.

يعني هذا أن الكتاب اللافت للانتباه يحمل فوق رصيد اسم صاحبه، رصيداً مهمّاً في تحليل الوضع العربي وكيفية إدارته علمياً، من أجل تحقيق رخاء اقتصادي ورفاهية اجتماعية ، كما يقول زويل. كما قدّم ببساطة علاقة التكنولوجيا الحديثة بالاقتصاد في كتابه عبر إبراز أرقام مساهمات بعض الدول في الاقتصاد العالمي مقارنةً بإنتاجها البحثي في مجال العلوم؛ فمثلاً، تنتج أميركا ما يقارب 34 % من مجموع الأبحاث العلمية في العالم، فيما تتراوح نسبة مساهمتها في الاقتصاد العالمي بين 30 إلى 40 %، ولسنا بحاجة إلى كثير فطنة لنتوقّع الأرقام العربية؛ حيث يساهم العرب بما مجموعه 0 إلى 0.03 %.

وفي سياق التشريح الفعلي لخطورة الوضع العربي علمياً، قدّم زويل تفنيده لـ "أساطير" لا زلنا إلى الآن نسمع صداها في العديد من بلداننا العربية، أولاها قلّة الموارد. وإذ يبدو هذا أمراً فكاهياً في سياق البذخ العربي الاستهلاكي، فإن زويل قدّم تجارب كل من كوريا وماليزيا، ما ينفي أن المشكلة تكمن في قلّة الموارد، وأشار إلى أن الأمر متعلّق بقلّة الإرادة.

فصّل عالم الكيمياء المصري فكرته عن غياب الإرادة باعتبارها تقديراً خاطئاً للدور الذي تلعبه العلوم والتكنولوجيا في مجالات التنمية، واعتبار البعض أن القاعدة العلمية الوطنية يمكن الاستعاضة عنها بشراء التكنولوجيا الحديثة من الدول المتقدّمة. يقول "إن توفير أجهزة الكمبيوتر لا يعني بالضرورة توفير معرفة خلّاقة، ولكن الأهم هو توفير نظام تعليم كفء وخلق العقلية النقدية القادرة على الفرز والاختيار ثم الاستيعاب والابتكار".

في السياق نفسه، لا ينفكّ زويل يؤكّد على قيمة الحرية لتحقيق مثل هذه النهضة المنبنية على أكتاف عقول ناقدة، لذلك كانت رؤيته أوسع من حدود العلم في ما يخصّ بناء مجتمع تضمن قوانينه الناظمة حرية التفكير لأفراده، كما تقضي على البيروقراطية التي تقف عائقاً أمام سيل المعرفة الحرّة والمبدعة.

أسطورة أخيرة حاول زويل أن يهدمها بوضوح؛ إذ كان يرى أن المراوحة بين الاتكاء على المساعدات الغربية، أو اتهام أنظمتها بحديث المؤامرة، لا يجدي نفعاً، إذ تظلّ عملية التبادل البراغماتي في ميدانَي السياسة والاقتصاد واحدة من أسس العلاقات الدولية، وتبرز المعرفة العلمية كأحد مسوّغات المكانة الدولية، فمثلاً "قدّمت اليابان والصين نموذجاً بارعاً لكيفية التعامل مع القوّة العظمى، لا بالاستغراق في نقد الولايات المتحدة، والدخول في حرب كلامية معها، بل بتقديم تجربة ناجحة في النمو والتقدّم أعادت الاعتبار إلى مكانتيهما".

يبقى زويل صاحب أطروحة نهضوية تتّخذ من مجال تخصّصه (العلوم التطبيقية) نقطة انطلاق إلى تقديم رؤية عامة للنهوض، الأطروحة ذاتها التي لم تقف عند حدود التبشير، وإنما قدّم على أساسها مشروعه لمدينة علمية عالمية حملت اسمه في بلد. لكن ذلك المشروع الحالم واجهته عقبات كثيرة. هنا نتذكر ما كتبه يوماً: "لا يمكن أن يبدع الخائفون".

دلالات
المساهمون