حاضرة على رأس صخر

06 مايو 2020
(رسم متخيّل للقدس في العصور القديمة)
+ الخط -

هي مدينة مشيّدة على قمّة الجبل، ليس بها ماء غير الأمطار ورساتيقها ذات عيون، وأمّا المدينة فليس بها عين لأنها على رأس صخر. وهي مدينة كبيرة كان بها، في ذلك الوقت، عشرون ألف رجل، وبها أسواق جميلة وأبنية عالية، وكلّ أرضها مبلطة بالحجارة. وقد سوّروا الجهات الجبلية والمرتفعات وجعلوها مسطّحة، بحيث تغتسل الأرض كلّها وتنظف حين تنزل الأمطار.

وفي المدينة صنّاع كثيرون، لكلّ جماعة منهم سوق خاصة، والجامع شرقي المدينة وسوره هو سورها الشرقي. وبعد الجامع سهل كبير مستو يُسمّى "الساهرة"، يقال إنه سيكون ساحة القيامة والحشر، ولهذا يحضر إليه خلق كثيرون من أطراف العالم ويقيمون به حتى يموتوا، فإذا جاء وعد الله كانوا بأرض الميعاد... اللهم عفوك ورحمتك بعبيدك في ذلك اليوم يا رب العالمين.

وبين الجامع وسهل الساهرة واد عظيم الانخفاض كأنه خندق وبه أبنية كثيرة على نسق أبنية الأقدمين. ورأيت قبّة من الحجر المنحوت مُقامة على بيت لم أر أعجب منها، حتى أن الناظر يقول كيف رُفعت في مكانها؟

ويقول العامّة إنها بيت فرعون. واسم هذا الوادي "وادي جهنّم"، وقد سألت عمّن أطلق عليه هذا اللقب فقيل إنه عمر، رضي الله عنه، أنزل جيشه أيام خلافته في سهل الساهرة هذا فلما رأى الوادي قال هذا وادي جهنّم.

وفي بيت المقدس مستشفى عظيم عليه أوقاف طائلة ويُصرف لمرضاه العديدين العلاج والدواء، وبه أطباء يأخذون مرتباتهم من الأوقاف.

وهذا المستشفى ومسجد الجمعة يقعان على حافة وادي جهنّم. وحين ينظر الناظر من خارج المسجد يرى الحائط المطلّ على هذا الوادي يرتفع مائة ذراع من الحجر الكبير الذي لا يفصله عن بعضه ملاط أو جص. والحوائط، داخل المسجد، ذات ارتفاع مستو.

وأرض المسجد مغطّاة بحجارة موثوقة إلى بعضها بالرصاص. والمسجد شرقيّ المدينة والسوق، فإذا دخله السائر إلى السوق فإنه يتّجه شرقاً فيرى رواقاً عظيماً جميلاً ارتفاعه ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون.

وللرواق جناحان وواجهتان، وإيواناته منقوشة كلّها بالفسيفساء المثبتة بالجص على الصورة التي يريدونها، وهي من الدقّة بحيث تُبهر النظر....


* من "سفر نامة" لناصر خسرو، ترجمة: يحيى الخشاب

المساهمون