لا يحضر العرب، بدور نشرهم ومكتباتهم ومؤلّفيهم، في معارض الكتب الدولية، بأكثر من 1% من حجم الكتب المعروضة، لكن خيبة الأمل الحقيقية أن هذه الإصدارات لا تمثّل أهمية تذكر لصنّاع الكتاب في الغرب على صعيد ترجمته إلى لغاتهم، خلافاً لثقافات أخرى؛ أميركية لاتينية وهندية وتركية وغيرها، تزداد رغبة العين الأوروبية -تحديداً- في التلصّص على منجزها من أجل اكتشافه.
ورغم حلول مجموعة البلاد العربية ضيف شرف على معرض فرانكفورت للكتاب عام 2004، وعلى معرض لندن للكتاب 2008، إلاّ أن النشر العربي ظل طارئاً على سوق تفترض آليات واستراتيجيات غائبة عنّا، وفي مقدّمتها أن هذه المعارض الدولية ليست سوى الفعالية التي تحتضن العرض والطلب لتعاقدات ترجمة الكتب بين اللغات والثقافات المختلفة، وهذا يتطلّب جهوداً ترويجية تستمر طوال العام، ليكون المعرض أشبه ببورصة متخصصة بالكتاب.
ابتداءً، يحتفظ الناشر العربي بأساليب تسويق بدائية في موطنه، فلا تنشط منافذ البيع إلا في ثلاثة أو أربعة معارض عربية فقط، وفي الغالب تقوم وزارة الثقافة في البلد المضيف بشراء حصّة معيّنة من عناوين كتب دور النشر المشاركة جميعها، مع تراجع المبيعات في معظم صالات عرض الكتب التقليدية المنتشرة في وسط البلد في عواصم عربية عدّة، مقابل ازدهار نسبي لمكتبات المولات التجارية التي توزّع الكتب الأكثر مبيعاً؛ العربية منها والمترجمة عن الإنجليزية غالباً.
هذه الحال هي التي يجري نقلها إلى المعارض الغربية؛ لذلك لا تُفاجأ عند قراءة تقرير صحافي يتندر من تصدّر مبيعات وزارة أوقاف إحدى الدول العربية، المشاركة بشكل دوري في "فرانكفورت" و"لندن" و"نيويورك"، والتي تترجم كتباً دينية تميل في معظمها إلى التشدّد، لكنها تلقى رواجاً لدى بعض الشباب المسلمين في الغرب.
ويوجد، بالطبع، الكتاب الذي تنشره دور خليجية بتمويل حكومي، في تلك المعارض الدولية، وبعضها إصدارات نوعية، لكن لا يزال يقتصر عرضها على تأمين "برستيج" للجهات الناشرة في ضوء غياب أي خطة لترويج نتاجها إلى الآن.
كل حديث عن وجود ثقافي للعرب خارج حدودهم لا ينفصل، بتاتاً، عن أزمة معرفية كبرى تتعلّق بالترجمة من وإلى العربية، وتشير الإحصائيات إلى أن المجموعة العربية في ذيل الدول التي تُترجم آداباً ومعارف أجنبية، مقارنة بدول مجاورة، مثل اليونان وبلغاريا، التي تنقل عشرات أضعاف ما ننقله نحن من ترجمات.
بالمقابل، فإن الأوروبيين ينظرون إلى نتاجنا بمنظور استشراقي بيّن، وما تجري ترجمته من الكتب العربية، في حقل الرواية معظمه، يكون ضمن سياق دراسة تطوّر مجتمعاتنا أو معاينة ظاهرة معينة تهم جموع المستشرقين والباحثين الغربيين المقيمين في القاهرة وبيروت عادةً، وهذا لا يؤثر فقط على نوعية الكتب المترجمة، إنما يعني أيضاً أن هذا الفعل الثقافي يكون بمعزل عن المعارض الدولية، وغير متعلّق بتطوّر النشر ومأسسته في بلداننا بقدر ارتباطه بالعلاقات العامة.
معادلة الترجمة لدينا مرتهنة بعلاقتنا بالغرب؛ ما يجعل انتشار الكتاب العربي في فضائهم مقيداً، بل مستحيلاً، ضمن المعطيات السابقة، خلافاً لثقافات عديدة مثل الهند والصين وجنوب شرق آسيا التي أوجدت أسواق نشر مشتركة في ما بينها، وصولاً إلى مشاركة فعّالة، إلى حد ما، في معارض الكتب الأجنبية، فيما نعجز نحن عن إيصال كتابنا إلى بلدان الجوار، وعلى رأسها تركيا وإيران.
تخلُّفنا في صناعة النشر لا يعد العامل الرئيس وراء حضورنا الباهت لدى الآخر، وفي أنشطته الثقافية، وعلينا الاعتراف أن كتبنا -حواملنا المعرفية- لا تغري أحداً لمطالعتها، سواء أكانت على رفوفنا أو رفوفهم.
اقرأ أيضاً: الكتاب الجزائري في مضيق النشر العشوائي