كانت "أفيشات" (ملصقات)الأفلام حتى ثمانينيات القرن الماضي ترسم معظمها يدوياً. وكانت مجال اشتغال جدّي من طواقم الأفلام، بما أنها وسيلة الترويج الرئيسة وبالتالي أحد أهم عناصر الفيلم، غير أن ظهور الكمبيوتر كأداة رئيسة للتصميم جعل صنعة رسم الأفيشات يدوياً تدخل مرحلة احتضار سريع.
وبمرور السنوات، واقتصار استعمال الأفيشات اليدوية على عدد محدود من الأفلام، كمجرد خروج عن المألوف، بدأ الحنين لهذا النوع من التصميم يعود شيئاً فشيئاً، خصوصاً وأن السينما نفسها قد عرفت هبوطاً في جماهيريتها وتغيراً حاداً في تقاليدها، فيما احتفظت ذاكرة الناس بالعلاقة الطيبة بين الأفيش اليدوي وما يعرف بـ "الزمن الجميل".
معرض "سينمانيا"، الذي انطلق يوم 21 حزيران/ يونيو الجاري ويتواصل حتى 13 تموز/ يوليو، يعود إلى هذه الذاكرة الجماهيرية بفكرة طريفة تتمثل في إعادة رسم أفيشات الأفلام القديمة (ما قبل السبعينيات) من قبل رسامي اليوم برؤى وتصوّرات جديدة ومعاصرة.
يقام المعرض في "مركز درب 1718" في القاهرة. وتقول نائبة مدير المركز، ريم حاتم، لـ "العربي الجديد" أن "الاهتمام بأفيشات الأفلام عاد للظهور في السنين الأخيرة، كما أن النظرة إليها تطوّرت بحيث صارت تعتبر أعمالاً فنية، وليست وسيلة للدعاية فحسب".
وهي تلاحظ أن "المعرض قد شهد حضوراً جيداً واستحساناً للفكرة وأساليب معالجتها". وتشير إلى أن المعرض "اجتذب السينمائيين والمهتمّين بالسينما" ما قد يدلّ على عودة الاهتمام بهذا الفن ضمن صناعة الأفلام.
بدأت فكرة المعرض منذ سنتين بمبادرة من الفرنسي إرفي بورسين، الذي استعان في أحد معارضه السابقة في مصر برسام الأفيش المصري محمد خليل. يكتشف بورسين تجذّر وتنوّع هذا الفن في مصر، ومنها يبدأ في التفكير بإنجاز المعرض الحالي.
لكن فكرة بورسين، كما يوضح في مقال له منشور على الفيسبوك، لا تقتصر على إحياء الأفيشات طباعياً، وإنما معالجتها فنياً في محاولة لتجديد الصنعة برمّتها وليس فقط إنقاذ الرسومات.
يكشف أحد المشاركين في المعرض، الفنان هيثم شريف، أن "مجموعة من الفنانين التحقوا بمشروع بورسين ممن شاركوه معرضه الأول "تلف في الدماغ" منذ سنتين. وبعد أن أنجزنا ما يفوق 60 عملاً، لم يبق سوى تجسيد الفكرة في معرض، وهو ما وفره فضاء "مركز 1718".
ويضيف شريف أن "المطلوب من الفنانين لم يكن فقط إعادة رسم الأفيشات وإنما إضفاء نظرتهم الشخصية لهذه الأفلام، واستخدام أساليب فنية مختلفة وتوظيفها لفائدة فن الأفيش". نجد في هذا المعرض علاوة على الرسم الزيتي، تقنيات الكولاج والتصوير الفوتوغرافي وتصميم الغرافيكي وأخرى. كما أن شريف يقدّم في هذا المعرض منحوتات لشخصية عتريس (أداء محمود مرسي) في فيلم "شيء من الخوف".
ويشارك في هذا المشروع/ المعرض عشرة فنانين، هم: هيثم شريف، عمرو عكاشة، إيهاب خليل، فادي جلال، هبه أبو هميله، محمد خليل، محمد مسعد، مريم عبد الرحمن، محمد سعيد، نورا سليم.
إن السؤال الذي يظل ملتصقاً بفن الأفيش هو تصنيفه، فارتباطه بالجانب الدعائي للسينما (ومختلف المنتوجات القابلة للترويج) جعله يحمل على كتفيه تهمة النزعة التجارية والتوظيف الاستهلاكي. وقد يكون أن تداخلاً حصل في الذهنية العامة بين الأفيش واستعمالاته، في هذا السياق يرى شريف أنه "فن مستقل بذاته، المشكل هو أن الحاجة إليه تبدو مقتصرة على طلبات السوق، وهذا غير صحيح".
يذكر شريف أن عملية رسم الأفيشات كانت تتم بشكل يدويّ بالكامل، وهو ما فرض نوعاً من الاختزال في أساليب الرسم والتلوين، ما أعطى هذا الفن طابعاً مميزاً وله قوة تأثير خاصة به. ذلك الطابع الذي ظل يتطوّر إلى أن تدخلت تقنيات الطباعة الحديثة، والتي أتاحت فرصة للإبداع دون التقيّد بتقنيات التنفيذ كما في الماضي، وهو ما أدى إلى تغيير كبير في شكل هذا الفن وتقبله، وصار اليوم يعتمد في معظمه على التدخل الرقمي".