هنري دراغر: ثورة الأطفال العبيد

13 يونيو 2015
من رسومات الكتاب
+ الخط -

يعيد "متحف الفن الحديث" في العاصمة الفرنسية، من خلال معرض يستمر حتى 11 تشرين الأول/ أكتوبر، إلى الذاكرة واحداً من أبرز ممثلي الفن الخام ( Art Brut) وأكثرهم غموضاً، إذ تُعرض 54 لوحة للرسام والكاتب الأميركي هنري دراغر، يختلط فيها الخيال مع السرد التاريخي، والقصة الشخصية مع الثقافة الشعبية الأميركية، والعنف مع البراءة.

نُفذّت معظم الرسوم - البسيطة من حيث التقنية والأداء - بالألوان المائية والكولاج، وبعضها مرسوم على وجهي الورقة. أما الشخصيات، أبطال ملحمة دراغر، المطبوعة بواسطة ورق الكربون، فهم الأطفال ويسمّيهم الـ (أنجلينيانز) - من بينهم سبع فتيات يطلق عليهن اسم (فيفيان) يمثلن المحرك الأساسي للحكاية - والبالغين ويطلق عليهم اسم الـ (غالاندلينيانز)، وتنبني الأحداث التي تقابلها الرسومات على ثورة يقوم بها الأطفال المضطهدون على البالغين.

لربما يكون عالم دراغر (1892-1973) الفني الطفولي المرعب والمضطرب نتيجة طبيعية للرضوض النفسية والعاطفية التي تعرّض لها باكراً؛ فبعد وفاة أمه أثناء ولادة أخته الصغرى، عانى الصبي من اضطرابات نفسيّة حادة، فوضعه والده في ميتم للأطفال المتأخرين والمضطربين عقلياً ليهرب منه لاحقاً ويعيش حياته منعزلاً.

اشتغل دراغر في مهن متواضعة كعامل نظافة في المستشفيات، وحين كان يعود إلى شقته الصغيرة ليلاً في شارع "ويبستر" في شيكاغو كان يتفرغ لعالمه المتخيّل، فيقصّ الرسوم المطبوعة وينسخ، بواسطة ورق الكربون، شخصيات قصّته. ثم يدوّن في مؤلفه السرّي بطولات فتيات "الفيفيان" المتخيلة ، ويضيف إليها سيرته الذاتية ويذكر أحوال الطقس.

ورغم أنه عاش وحيداً وصامتاً بشكل عام، إلا أنه لم ينقطع عن العالم الخارجي فملحمته الضخمة تعكس، بشكل أو بآخر، روح المرحلة التي عاصرها والثقافة الصُورية الشعبية السائدة في ذلك الوقت. فقد استوحى مثلاً فتيات "فيفيان" من شخصيات الإعلانات، مثل فتاة دعاية كريم الشمس "كوبرتون" أو "آني روني الصغيرة" شخصية الرسوم المصوَّرة التي اشتهرت في النصف الأول من القرن الماضي.

لا تقتصر أهمية دراغر على كونه فناناً وكاتباً ينتمي إلى مدرسة "الفن الخام"، بل تتجاوز ذلك إلى أهمية أسلوبه الفني والأدبي، وقد ألهم العديد من الفنانين المعاصرين مثل الأخوين تشابمان وبول تشان وبيتر كوفان، كما ألهم كتّاباً أيضاً من أمثال الكاتبين الأميركيين جيس كليرمان في عمله "الوجوه"، وإكزافيه موميغان في "الأميركي القوطي".

من المفارقات الطريفة، أنه لولا المصادفة البحتة لما كان بوسع أحد أن يتعرف اليوم إلى عالم دراغر العجائبي؛ فقد اكتشف مالك شقته، أثناء زيارة للفنان قبل وفاته بأشهر عام 1973 في شيكاغو، المؤلّف الذي يزيد على 15 ألف صفحة وعنوانه "قصة فتيات فيفيان، أو ما يعرف بالممالك المتخيلة وحرب الغلانديكو-أنجيلينيان العنيفة الناجمة عن ثورة الأطفال العبيد" والذي يعتبر واحداً من أكبر الكتب المصوّرة في تاريخ الأدب.

المساهمون