تأثر الأدب والفكر الإيرانيان باللغة العربية، وكتب بها مثقفون وشعراء كابن سينا والسهروردي وعين القضاة الهمداني وسعدي الشيرازي وحافظ وخيام. لكن بعد القرنين الثامن والتاسع للهجرة حصلت قطيعة وانتهى زمن عمالقة الفكر وفحول الأدب، ومضى زمن طويل من الجمود والانحطاط على الأدب الفارسي، وبقيت اللغة الفارسية مغلقة وفي الهامش.
وبعد الثورة الدستورية عام 1906، جالت حركة جديدة للتجديد في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والأدبية والثقافية، وظهر روائيون إيرانيون متأثرين بالثقافة العربية وكتبوا رواياتٍ على خطى روائيين عرب معروفين مثل جرجي زيدان، الذي كان له تأثير على الرواية الفارسية الحديثة، فهناك رواية "شمس وطغرا" للروائي محمد باقـر ميرزا، وهو ترجم روايات لجرجي زيدان، هي أول رواية حديثة ظهرت في الساحة الفارسية.
هناك أيضاً "رحلة حاج زين الدين المراغي" للروائي أحمد طالبوف، وأول مجموعة قصصية حديثة للكاتب محمد علي جمالزادة تحت عنوان "كان يا ما كان" التي اعتبرت بوابة دخلت منها القصة الإيرانية إلى الحداثة.
حصلت القطيعة الثانية عن الثقافة العربية في زمن محمد رضا شاه البهلوي، الذي أغلق أبواب الثقافة العربية على المواطنين وفتح أبواب الغرب. وهكذا انقطع المثقفون الإيرانيون عن مصـر وبيروت وبغداد، ومنهم من حاول العودة إلى عصر ما قبل الإسلام، ومنهم من تأثر بشكل كبير بالغرب وأخذ يجرف الثقافة العربية في كتاباته ويتخذ موقفًا عدائياً منها. ما كُتب في هذه المرحلة إما كان تقليداً للغرب أو عودة إلى الكلاسيكية، ولم تظهر أعمال تحمل في طياتها الأصالة والإبداع والتجديد.
في العصر الحاضر لم يكن هناك تبادل فكري وأدبي بين العرب والإيرانيين، رغم أن كثيرا من الأدب العربي، رواية وشعراً، تُرجم إلى الفارسية، ولكن لم يعرها المثقف الإيراني اهتماماً.
للأسف أن العرب أيضاً ليسوا على اطلاع على الثقافة الإيرانية المعاصرة، وما تُرجم اليوم من شعر فارسي قليل جداً. مع ذلك ورغم أن النظام السياسي تغير منذ عام 1979 ما زالت صورة العرب عند الإيرانيين سوداء، وتتم محاربتهم من لدن الأصوليين والمتجددين والعلمانيين على حد سواء.
من ناحية أخرى المثقف اليساري في إيران تحاربه الحكومة، لأن الحكومة الإيرانية قائمة على أسس إسلامية بجذور عربية، وتأتي هذه الثنائية بالغة التأثير في المشهد الثقافي الحاضر في إيران. لأن المتهم الأول في هذه الثنائية هم العرب.
ما زال الأدب الإيراني متأثراً بالغرب ونجد جذور الأدب الفارسي الحديث في الثقافة الغربية وليس في الثقافة العربية؛ لكننا نرى الروائيين والشعراء الأقدمين مثل صادق هدايت وبزرك علوي وزرين كوب ودشتي وأخوان ثالث وسبانلو وكسروي يجيدون اللغة العربية>
ولكن كما قلنا، فبعد الحكم البهلوي وانتشار الأفكار القومية المبشرة بالعودة إلى ما قبل الإسلام والأخمينيين، حصل الانقطاع الكبير الذي يدعو إلى التجديد ومحاربة حضور الثقافة العربية.
*ناقد ومترجم إيراني
**ترجمة عن الفارسية حمزة كوتي