عن ألبير كامو مرة أخرى

14 يناير 2018
(كامو في بيته، 1947)
+ الخط -

مع مرور ذكرى رحيله الـ 58 في الرابع من كانون الثاني/يناير الجاري، قد لا يجد المرء كثيراً يضيفه حول مسيرة الكاتب الفرنسي ألبير كامو (1960- 1915) بعد كل ما كُتب عن أعماله.

في الحقيقة، يبدو كامو نوعاً من "فيلسوف شعبي" يجنح نحو الشاعرية أكثر من كونه فيلسوفاً بالمعنى التقليدي، فإذا ما أمعنّا النظر في أهم أعماله سنجد كأفراد مستقلّين بأننا نشبه فلسفته بشكلها البسيط أكثر من تشابهنا مع مصطلحاتها.

يمكن وصف أعمال صاحب كتاب "الإنسان المتمرّد" بالحزينة، كونها تسرد بطريقة هادئة وتراتبية إحساساً رقيقاً وعميقاً باللاجدوى والعبث بسلاسة من دون أن تصدّر إزعاجاً عَدمياً مباشراً، وهي أيضاً صادقة انسيابية بحيث يسهل التعامل معها بطريقةٍ إيحائيةٍ أكثر من كونها فكرية إملائية.

لا شك في أن كامو كان صعب المراس. لم يتصالح مع تعقيداته الإنسانية ومع أزمة الضمير والأخلاق المستعصية التي ناقشتها أعماله وكذلك لم يجد خلاصه في دُنيا اللاهوت. إذا تطرّقنا على عجالة إلى الأفكار العريضة لعملين من أهم أعماله الأدبية، بتنوّعها الفلسفي النفسي وبعيداً عن قراءتها سياسياً، فسنجد أنه في رواية "الغريب"، الصادرة عام 1942، كان البطل بعيداً وناءٍ بوصفه قاتلاً بالصدفة.

هو شخصٌ انطوائي ومنكفئ لم يتأثر حتى بموت أمه لكنه أيضاً بريء من الناحية الفلسفية والوجودية ولا يبدو أنه ارتكب أذية قبل ذلك، هو عنوان عبثي لجريمة من المحتمل أن يرتكبها أي شخص، وهو ببساطة شخص رتيب وبارد تشير حكايته إلى أننا لا نستطيع أن نهرب من الأمر الواقع مهما حاولنا التملّص.

تقول الرواية بشكل ما أنه لا يفيدنا كل ما نملك من ثقافة وسلام ورغبة بالخير في تفادي كارثة ما، أيُّ شخص منّا يستطيع أن يكون مَلاكاً وهذا لا يعني بأنه لن يقوم بعمل آثم، فالأخلاق عند كامو نسبية فباطن الإنسان يستوعب شَرّه بنفس القدر الذي يستوعب خَيره.

في عمله الآخر؛ "كاليغولا" وهو مسرحية كتبها عام 1938، اشتغل كامو أيضاً على مصارعة أزمة الضمير والإحساس بالخطيئة لكنه ألبسها رداءً سياسياً سلطوياً فقد أدرك مُبكراً أن السلطة المطلقة تهزم الفكرة المسالمة وتحوّلها إلى أداة تعبّر عن بشاعة السلطة بوجهها المُدمّر المشين، وتفرش الطريق للعمل الفردي المتوحش.

في هذا المسرحية، أخذ هيجان الفكرة طابعاً سوريالياً وعديم الرحمة عبر سلوكيات غاية في الوحشية والتعسف ومن خلال قناعة عكسية غريبة تبنّتها ظروف الشخصية الرئيسية مفادها أنه كلما بطشت الرغبات أكثر كلما وصلت لحقيقتها النفسية ولخلاصها الدنيوي بسلام أكبر عبر تجسيدها لحالة عبث لا تنتهي.

بطل العمل الذي تحمل المسرحية اسمه كان غارقاً في فوضى القضاء على الملل والروتين. في المحصلة، لن يستطيع أن يقف حائلاً في وجه انجرافه المضني نحو هاوية سعى إليها وسيكون قرباناً للتمرد والتوحش والغرابة.

رحل كامو عام 1960 في حادث سيرٍ غامض، وعبثي هو الآخر، بينما ظلت أعماله تساؤلاً عن معنى الوجود وماهيته ودور القيمة الإنسانية فيه من خلال فرادة ذاتيتها وتناقض سلوكياتها.

المساهمون