يأتي كتاب الباحث الألماني توماس باور (1961) "لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية" ضمن مشروع بدأه في "ثقافة الالتباس"، حيث يتساءل في كلا العملين عن الافتراضات الأساسية الخاطئة - والواسعة الانتشار رغم ذلك - حول العالم الإسلامي في الغرب. الكتاب الجديد صدرت نسخته العربية مؤخراً عن "منشورات الجمل" بترجمة الأكاديمي المصري عبد السلام حيدر، وكانت نفس الدار قد نشرت "ثقافة الالتباس" بترجمة رضا قطب في 2017.
تحت عنوان "العصور الإسلامية الوسطى: ستة أسباب ضد المصطلح"، يفتتح باور كتابه بتوضيح الاستخدامات غير الدقيقة لمصطلح العصور الوسطى الإسلامية، حيث يرى أن هذا التركيب يسمح بوقوع الكثير من الأخطاء وسوء الفهم، ناهيك عن كون المصطلح يفتقر إلى أي أساس واقعي.
يعتمد باور هنا على نماذج تاريخية متنوّعة ضمن جغرافيا متسعة، إذ يعمل على إعادة تركيب الواقع الاجتماعي واليومي والاقتصادي للمجتمعات الإسلامية في الفترة التي تقابل ما يسمى بالعصور الوسطى في أوروبا. هذا البحث التاريخي يتيح لباور أن يستنتج بأن فضاءات جغرافية مثل مصر والشام والعراق وبلاد فارس، لم تعش عملية تحوّل تشبه ما حدث في أوروبا بين الفترة التي تُعرف بالعصور القديمة والمرتبطة بمركزية الإمبراطورية الرومانية والفترة التي تلت سقوطها وهو ما اصطلح على تسميته بالعصور الوسطى التي تنتهي في القرن الخامس عشر تقريباً مع عصر النهضة الإيطالي.
وتعني "العصور الوسطى" في التمثلات الجمعية، والعلمية أيضاً، في الغرب فترة من تراجع في المعرفة والتقنية، ولعلّه من اليسير هنا أن نتبيّن ما كانت تشهده الحضارة الإسلامية في نفس تلك الفترة من ازدهار في العلوم التطبيقية والنظرية والآداب وغيرها من مظاهر الحياة العقلية والعمَلية. يستدلّ باور بممارسة الطب والتي تُظهر خطاباً علمياً واقعياً وتقدّمياً بل وعلمانياً بحسب تعبيره، بمعنى أن الطب الإسلامي في تلك الفترة لا يمكن أن يوصف بالقروسطي بالمعنى الذي يُستعمل فيه هذا التوصيف في أوروبا.
من جانب آخر، يرى باور أن التجاور بين مصطلحي "إسلامي" و"العصور الوسطى" يشبه تفجيراً مزدوجاً. فمن المسلّم به أن العصور الوسطى كانت حقبة شديدة التديّن، أي إنها إحدى أكثر فترات التاريخ التي شهدت تفشّياً للتعصّب الديني، لكن هذه الظاهرة لم تكن في الحضارة العربية بنفس ملامحها في أوروبا.
بعيداً عن تعقيدات اللغة الأكاديمية، يقدّم الكاتب وجهات نظره متوجّهاً بالحديث إلى جمهور موسّع معظمه من غير المتخصّصين، وهو هنا يعلم أن موضوع الإسلام بات اليوم قضية مشاعة تتقاطع مع الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية، أي أن هذا الموضوع بات شأناً عاماً بامتياز، وبالتالي يوجد طلب على فهم الإسلام وتاريخه، لكن تظل صورة الإسلام مرتبطة أساساً بالعلاقات غرب/ شرق وما ينجرّ عن ذلك من تأثيرات وتشويهات.