"الكاريكاتورة": وجوه وأسماء ساحة بياتسا نافونا

24 يناير 2016
(من ساحة بياتزا نافونا، تصوير: جيستن كيبلر)
+ الخط -

هذه الكاريكاتورة ليست أنثى الكاريكاتور، بل هي المقابل الإيطالي له، والأكثر تداولاً بين مجموعة رسّامين من جنسيات مختلفة، تغلب عليها الجنسيات العربية، تبدأ يومها باحتلال زوايا ساحة "بياتسا نافونا" في وسط روما، على بعد نصف ميل من كنيسة سان بيترو جارة دولة "الفاتيكان".

تبدأ هذه المجموعة عملها بأن يفاجئ أفرادها السيّاح والفضوليين الجوّالين بلا هدف سوى مراقبة الغجريات، أو مساومة بائعي الأقراط والقلائد الزجاجية الملوّنة، بأن يقدّموا لهم "وجوههم" بعد أن يكونوا رسموها بسرعة على صحائف بيضاء، وقد اتّخذت أشكالاً مضحكة، فيبتسم السائح، أو السائحة، أو الفضولي، ويدفع القليل من المال يكفي الرسّام لمواصلة العيش حتى يوم آخر.

المهم أن الكاريكاتورة عرفٌ شائع، لا يدفع أحداً إلى الغضب، أو ضرب الرسّام الساخر، أو جرّه إلى أقرب مخفر شرطة، أو قطع رقبته، حتى لو حوّل الرسّام وجه أحد رؤساء دولة الفاتيكان، أو حتى صوفيا لورين إلى كاريكاتورة. الكلّ متفق على أن هذه المهنة وجه من وجوه الحياة، ممتع وظريف.. ومشروع.

قبل سنوات شاهدت فناناً عربياً ساخراً مارس هذا الفن بأن حوّل زاوية تلفازية إلى "بياتسا نافونا" خليجية، أي إلى مسرح رسم فيه وجوه محلّلين وسياسيين ومذيعين ورؤساء على شكل وجوه نسانيس أو سناجب ضاحكة، وكان يمنحهم شيئاً لم يفعله رسّامو الساحة الإيطالية؛ إذ كان يتلاعب بأسمائهم، فهذا عبد الباري دولار، وتلك ننسي حصرم، وآخر منطفي بكري.. وهكذا.

وعلى خلاف المسرح الإيطالي، لم أتصوّر آنذاك أن الشخصيات التي ينتحل الفنان "وجوهها" ويتلاعب بأسمائها، والتي يكتشف المشاهد هويتها فوراً ويغرق في الضحك، ستكون سعيدة، أمام ما يُعتبر في ثقافتنا العربية "صفعات ساخرة" متوالية تهبط بنجوم السياسة والفن والتحليل والتهليل المزمنين من عروشهم إلى مادون علب "كلينكس" فارغة.

ربما لهذا السبب، أو لأسباب أخرى، اختفى هذا النوع من "الكاريكاتورة"، بعد أن عاد إلى الظهور منفرداً على الشاشات المصرية قبل سنوات قليلة، ولم تنشأ ساحة "بياتسا نافونا" مماثلة في أية زاوية أو ساحة عربية حتى الآن، مع أن الحياة العربية، وليس الإيطالية فقط، أرضاً وسماءً، ليست سوى فضاءات ممتلئة بوجوه يرسُمها على شكل "كاريكاتورة" هنا وهناك زماننا هذا.

هذه الفضاءات هي بحاجة إلى من يزيح الستار عنها فقط، ويقدّمها إلى المشاهد لا لأصحابها بالطبع، فهذه الوجوه تعتقد وتؤمن إيماناً راسخاً بأنها تؤدّي أدواراً عظيمة، ولا أشك أنها لو وقعت على فنان "كاريكاتورة" يعرض عليها ملامحها كما يراها، لمزّقته بمخالبها، وإن لم تجد فبأنيابها.

اقرأ أيضاً: نيل غوردون.. كنتُ في فلسطين

دلالات
المساهمون