القلوب الحمراء المصنوعة من القطن

14 فبراير 2017
مارسيال ريس/ فرنسا
+ الخط -

هناك تواريخ على الرزنامة يتهيّب منها غير المرتبطين عاطفياً. يظل 14 فبراير أبرزها. فالقلوب الحمراء المصنوعة من القطن وقطع الشكولاتة وباقات الورود وغيرها من الهدايا تتحوّل لديهم إلى شعور بالنبذ. دون أن نتحدّث عن شعورهم عند سماعهم بعقد مواعيد العشاء تحت أضواء الشموع.

يقدّم "الفالنتاين داي" باعتباره "عيد الحب". إذا أردنا الموضوعية، فهو ليس سوى عيد الثنائيات، وبشكل كبير هو عيد المؤسسة الزوجية، إنه عيد المواضعات التي تصِم كلّ من له حياة خاصة مختلفة عن النظام العام.

كلّ هذا، ولم نتحدّث بعد عن التجارة. فـ الفالنتاين داي هو قبل كل شيء عيد بائعي الهدايا وبائعي الورود وعيد المطاعم. لكن ذلك لا يفسّر كلّ شيء، فقد نجحت أعياد كثيرة بقوّة التسويق في أن تحقّق أبعاداً تجارية؛ عيد الجدّات أو عيد السكرتيرات وغيرها، لكنها لا تعرف شمولية الاحتفال الذي يحظى به "عيد الحب".

وإذا كان هذا العيد قادراً على الحفاظ على هذه الحظوة، فإن وراء ذلك الكثير من الأسباب والمحرّكات، لكن أهمّها على الإطلاق يظلّ: الشعور بالذنب الذكوري.

النساء يحلُمن بأشياء مبهرة، إضافة إلى الاهتمام المتواصل على طول أيام العام. الرجال ليسوا ضدّ ذلك من الناحية المبدئية، لكنهم في الغالب يبحثون عن تعبير عن المشاعر أكثر اقتصاداً.

هذه الفروقات بين الجنسين في الانتظارات معروفة للجميع، والرجال بالخصوص يعرفون بأنهم يخلقون بشكل متواتر موجات من قلة الإشباع العاطفي لدى شريكاتهم. هكذا يأتي عيد القديس فالنتاين ليقدّم نفسه كتعويض رمزي. فرصة كبيرة للتدارك.

المشكل أنها فرصة تدارك إجبارية. ويلٌ للرجل الذي ينسى هذا التاريخ، خصوصاً وأن القلوب الحمراء المصنوعة من القطن متوفرة في كل مكان. لقد أصبح غياب الهدية مرادفاً لإعلان عن عدم الحب.

لكن ثمة فخ آخر منصوب؛ باقة الورود هدية باتت روتينية، وهي بالتالي مرادف عن شعور باهت، وربما هي إشارة عن حب يتراجع. لذلك فلا مناص من تقديم أفضل مما سبق تقديمه.

ربما لا يعلم المسكين أنه وَضع رجله في بداية طريق لولبي عليه في كل خطوة أن "يخترع" هدية أكثر ابتكاراً، وعليه أيضاً أن يضع في حسابه بأن شريكته ستقارن بين هديّته وما قُدّم لصويحباتها وزميلاتها وجاراتها.

كثيرون باركوا فكرة "عيد الحب" منذ أن جرت عولمتها. وقتها، كان المطلوب التعبير بأبسط شيء عن المشاعر؛ باقة ورد كانت تكفي. لكن، باقة إثر باقةٍ كان الجميع بصدد بناء فخ جماعي كبير. ها أنهم محكومون - بشكل طقوسي - على ما يشبه الأشغال الشاقة؛ إنهم مُجبرون على الحب.



* Jean-Claude Kaufmann عالم اجتماع فرنسي متخصّص في سوسيولوجيا الحياة اليومية، من مواليد 1948. من أبرز مؤلفاته "أجساد نساء.. نظرات رجال" (1995) و"إيغو: من أجل سوسيولوجيا الفرد" (2001) و"حين يكون الأنا آخراً" (2008). المقال نُشر بمناسبة "فالنتاين داي" 2016 في مجلة "بسيكولوجي" الفرنسية

** ترجمة: شوقي بن حسن

المساهمون